تكنيس.







.Yelena Bryksenkova





الغرض من هذه الصفحة تكنيس بعض الشوارد -التي أرغب تقييدها لكنها غير كافية لتصبح لبنة تدوينة- من ذهني إليها، كي يتفرّغ لمطاردة شواردٍ جديدة.


* الشوارد الأحدث في الأعلى.


«دامَ الشيءُ إذا دار، ودام إذا وقَف، ودام إذا تَعِبَ.» - تهذيب اللغة. أحب الفعل دام وما اشتق منه، لمعانيه المتضادّة وشموليته في وصف الحال: فيقال للسّاكن دائم، وللمتحرّك دائم، والدائر المتحيّر دائم، والتعِب دائم.

*

 لفتت انتباهي «لضم» حين تكرّرت علي بغناء محمد منير، في أغنية «أسامينا» من كلمات فؤاد حداد: «تعالى نلضم أسامينا …» وأغنية «ساح يا بداح» تأليف كوثر مصطفى: وَ«ليل ملضوم في الليل التاني …» وَ أغنية «اطفي النور يا بهيّة» تأليف أحمد فؤاد نجم: «جوزك سارح عَغيطه، بيلضم همّه فخيطه …» ففتحت معجم لسان العرب على مادة «لضم» لأستزيد من المفردة التي فهمت معناها من السياق غير أني لم أكتف بما فهمت. فلم أجد في معناها المدوّن ما يتلاءم مع السّياق وما فهمت، إذ كُتِب: «اللَّضْمُ العُنْفُ والإِلْحاحُ على الرجل، يقال: لَضَمْتُه أَلْضِمُه لَضْماً أَي عَنُفْتُ عليه وأَلْحَحْت …» فبحثت عن المفردة بالظاء، وقد أخذت بالاعتبار احتمالية إبدال الظاء ضادًا كما يحدث أحيانًا. لكن حتى هذه ليس لها وجود في المعجم. رحت أوسّع البحث خارج المعجم، فعثرت على «لضم» ومعناها في اللهجة المصريّة لدى فاطمة ناعوت في «الملائكة تهبط في سيدني» إذ كتبت حاشية سفليّة نصها: «لضم: كلمة مصرية تعني أن يأتي أحدهم بخيط ويلضم فيه فصوص اللؤلؤ أو الحجار الكريمة ليصنع عقدا. لا أدري إن كانت الكلمة بالدارجة المصرية أم بالفصحى. ولا أدري إن كان لها مرادف بالفصحى إن كانت بالعامية.» ومن هنا التمع في ذهني احتمالٌ لتأثيلها، من تساؤل فاطمة ناعوت «ولا أدري إن كان لها مرادف بالفصحى إن كانت بالعامية.» بلى، فصيحها نظم! «النَّظْمُ: التأْليفُ، نَظَمَه يَنْظِمُه نَظْماً ونِظاماً ونَظَّمه فانْتَظَم وتَنَظَّم. ونظَمْتُ اللؤْلؤَ أي جمعته في السِّلْك، والتنظيمُ مثله، ومنه نَظَمْتُ الشِّعر ونَظَّمْته، ونَظَمَ الأَمرَ على المثَل. وكلُّ شيء قَرَنْتَه بآخر أو ضَمَمْتَ بعضَه إلى بعض، فقد نَظَمَتْه.» 
بهذا المعنى تصبح «لضم» في كل جملة من أغاني محمد منير قد جاءت مناسبة تمامًا مُناسَبَة لا تستطيعها غيرها. أعتقد أن بمقدوري القول بأن «نظم» هي أصل «لضم» بإبدال الظاء ضادًا، وإبدال النون لامًا -ابدالًا شاذًا- كما جرت العادة في بعض اللهجات العربيّة. لكن هل تعد «لضم» فصيحة خاصة وهي مطابقة لمبنى مفردة موجودة في المعجم العربي، بمعنى مضاف، وقد وردت بهذا المعنى في المطبوعات منذ ١٨٣٣ على أقل تقدير، في «كتاب الدر الملضوم في علم الأفلاك والنجوم» غير معروف المؤلِّف، أو لم أهتد إلى اسم مؤلفه. وقد احتوتها المعاجم منذ ١٨٧٠ على أقل تقدير، في معجم «محيط المحيط» للمعلّم بطرس البستاني: «لضم إلى: العامة تقول لضم الشيء إلى الشيء أي ألصقه به وبالغ في ذلك.» واحتوتها المعاجم ثنائية اللغة بعد ذاك بديلًا عن «نظم»، وقد تداولها كتاب وأدباء من أنحاء العالم العربي منذ ذلك الحين وحتى الآن بهذا المعنى. ما زلت أتساءل نفس تساؤل فاطمة ناعوت بشأنها، هل يمكن أن نعدّها فصيحة الآن؟ باعتبار أنها قد حقّقت شروط الفصاحة عند الجرجاني: «[الفصاحة] في المفرد: خُلُوصه من تَنَافر الحروف والغَرَابة ومُخَالفة القِياس …» خاصّة ومثيلتها في المبنى تعد فصيحة؟ ما هي شروط فصاحة المعنى إذًا؟ وهل للمعنى فصاحة؟ لم أجد غير ما أورد صاحب المستطرف في كتابه «وقد اختلف النَّاس في الفَصَاحة: فمنهم من قال: أنَّها راجعة إلى الألفاظ دون المعاني، ومنهم من قال: إنَّها لا تَخُصُّ الألفاظ وحدها.» لم أحدّد موقفي من ورودها في سياقاتٍ فصيحة، وإن كنت أميل إلى عدم قبولها بالأكثر.
*
‫أسمع لعبدو ياغي يصف امرأة بأنها «بنت الليل»، فأزال بأغنيته حمولة الوصف السلبيّة، صارت حمولته رقّة وسكينة مبثوثة، بنت اللّيل النجمة الباسمة المطعّمة بالمرح، الواقفة «في وچ الويل»، بنت النّاس؛ بنت اللّيل. أما بنات الليل في لسان العرب فهي «الهموم»، وهي «الأحلام» نقلًا عن ابن السكيت.‬

لا أعتقد أن المعاجم قد انطوت على عبارةٍ أشعر من هذه الواردة في لسان العرب: «الشَّجر ما قامَ على ساق؛ وقَيل الشَّجَر كل ما سمَا بِنفسِه، دَقَّ أو جَلَّ، قاومَ الشِّتَاءَ أَو عَجِزَ عنه.»
*
فيما كنت أتصفّح لسان العرب وقعت عيني على هذه العبارة « قَرَّعَ الرجلُ مكانَ يدِه من المائدةِ تَقْريعاً إِذا ترَك مكانَ يده من المائدة فارغاً.» وحينها فكّرت في تصنيف هذا الفعل لدى العرب، بالطبع توقعت كثيرًا أن العرب تعده منقصة، لكنني أملت ألّا يكون كذلك على سبيل تجنيب الطعام المتبقي في موضع الشخص -الغريب خاصةً- للهدر عند من لا يستسيغون حفظ المتبقي. بحثت في آداب الطعام بحثًا سريعًا ولم أجد ما يشير لقرع المائدة تحديدًا، لا ذمًا ولا ثناءً. وقبل أن أعتبر هذا بمثابة برهان على حياديّة الفعل بالنسبة للعرب صادفت بيتًا لحاتم الطائي أفسد أملي، أنا من تغترف القليل في صحنها ثم تقرعه:



«وإنّي لأسْتَحيي صِحابيَ أنْ يَرَوْا      مكان يدي، في جانب الزاد، أقرعا.»

آسفة سيّد حاتم الطائي لتخييبك، إنّي والله لأستحيي صحابي أن أترك لهم فائض طعام يثقلون بهدره، لأنني أنا من لا تستسيغ وأصرّ على ألّا يأكل أحد بعدي، ولا حتى يشرب من بعدي في كأسي ما لم أغسله، ومن هنا يمكنك أن تعرف سبب ملاحقتي لإخوتي إذا ما ظفروا بملعقتي أو كأسي أو فنجاني وهددوني بتناول شيء فيها قبل غسلها.
*
لم يكن ليخطر لي البتة -على ما أظن- أن العرب خصّت المتاع الذي تستخدمه للضيوف أو في الأعياد، صفوة متاعها، باسم. لحسن حظي صادفني اسمه هذا اليوم: عقار البيت. وجاء عنه في لسان العرب: «وعَقَار البيت: متاعُه ونَضَدُه الذي لا يُبْتَذلُ إِلاَّ في الأَعْيادِ والحقوق الكبار؛ ... وقيل: عَقارُ المتاع خيارُه وهو نحو ذلك لأَنه لا يبسط في الأَعْيادِ والحُقوقِ الكبار إِلاَّ خيارُه ...»
*
عرضت لي أثناء إحدى المحادثات مسألة تخصيص اللغة العربية مفردة للّهو الذي لا ينتفع به ومفردة لما ينتفع به، فطفقت أبحث عن هذه المفردات، رغم أن حمولة اللهو الثقافية تقول أنه ما لا ينتفع به إلا أن لسان العرب لا يدعم هذه الحمولة، حيث اللهو لما ينشغل به المرء عامةٍ، بصرف النظر عن مسألة الانتفاع، بينما اللعب هو الانشغال أو اللهو بما لا ينتفع به. فاللهو أعم واللعب أخص «يقال لكل من عمل عملًا لا يجدي عليه نفعًا: إنما أنت لاعب.» أما اللهو فالانشغال عامة لا الانشغال فيما لا ينتفع به ويسند هذا أيضًا قول الله تعالى عن رسوله عليه الصلاة والسلام « فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)» في سورة عبس.
*
أثناء قراءتي لفقه اللغة قبيل النوم صادفت «القت: الإسفست اليابس.» وتوقّفت عند الإسفست، لم تبد لي عربيّة من الوهلة الأولى فعدلت عن النوم ورحت أبحث عنها في المعاجم المتقدمة دون أن أجد لها أثرًا. ولم أجد في المعاجم المتأخرة توضيحًا لها. واصلت البحث خارج المعاجم فوجدتها موضّحة في إحدى كتب شروحات المذهب المالكي «أوجز المسالك إلى موطأ مالك»وأنقل عنها بتصرف: «الإسفست لفظة فارسيّة وهي نبات الفصفصة.» فاستطعت النوم بعدها.
*
عرف العرب قديمًا صفة واسم مرض السرطان، فقد ورد في فقه اللغة للثعالبي المتوفي سنة ٤٢٩ هـ، «السرطان: ورمٌ صُلْب له أصل في الجسد كبير تسقيه عروق خضر.» وبالعودة للجذر «سرط» في لسان العرب لابن منظور وجدت «السرطان: داء يأخذ الدواب والنّاس.» أما معنى الجذر فابتلاع كل شيء والسير في الشيء سيرًا سهلًا. حسبت المرض حديث لكن ببحث سريع وجدت أقدم دليل على وجوده يعود إلى الحضارة المصريّة، قبل ثلاثة آلاف عام، حيث عثر العلماء على هيكل عظمي مصاب بسرطان في العظام دلّ عليه الكشف. ليس هو وحسب بل أمراض أخرى منها داء الفيل.  
*
كانت العرب تقول زُرقة وزهرة للدلالة على البياض، وتقول صفرة وخضرة للدلالة على السواد.
*
يكنّى عن الآدمي المذكر بفلان وفُل وفي التصغير فُليِّن وفليَّان، ويكنى عن المؤنث بفلانة وفُلة وعند التصغير فُليِّنة وفُليِّانة. لا تضاف «ال» التعريف  للعاقل إلا مع النسبة كقول الفلاني والفلانيّة عدا ذلك «ال» التعريف لا تضاف إلا لغير العاقل. أما فل فمثنّاها فلان وجمعها فلون، والمثنّى المؤنث فلّتان والجمع فلّات وقد يقال للمفردة المؤنثة فلاة.وقد ورد في الحديث: «يقول الله عز وجل أَي فُلْ أَلم أُكْرِمْكَ وأُسَوِّدْكَ؟». أمّا مجهول النسب فيقال عنه: هيّ بن بيّ، أو هيّان بن بيّان، أو طامر بن طامر (يقال للبرغوث أيضًا.)، أو ضل بن ضل (تقل للغارق في الضلال أيضًا.). 
*
السُّدفة في لغة تميم ونجد الظلمة، وفي لغة غيرهم الضوء.