الثلاثاء، 7 أبريل 2015

تاريخ الإنجيل الإنجليزي.



(0)


شاهدت منذ فترة السلسلة الوثائقيّة "The Adventure of English Language" للمرة الثانية، تطرّقت الحلقة الثالثة فيها إلى صراع الإنجليز في سبيل إنجيل بلغتهم. كان مما جاء في الحلقة أن الكنيسة في القرون الوسطى، كانت ترفض أن يقرأ العامة والرعاة والفقراء الكتاب المقدّس، وتعتبر إتاحة كلمة الرب لمثل هؤلاء بمثابة امتهان لها، ورد أيضًا أن الإنجيل اللاتيني كان يعزز سيطرة الكنيسة على الناس، حيث تكون وسيطًا بين الناس وكتاب ربهم. في القُدّاس والمناسبات الدينيّة، يتلو رجال الدين من الإنجيل اللاتيني، الذي لا يفهمه العامة، من يحضرون بشكل إجباري، إذ لم يكن الذهاب إلى الكنيسة اختياريًا آنذاك، فكانت البداية أن رأى وكليف ضرورة أن يفهم الناس ما يُقال، بل أنه وبعد الطاعون ثم حرب الوردتين،  حيث مات الكثير،  من ضمنهم رجال الكنيسة، اضطرت الكنيسة إلى القبول بشمامسة لا يعرفون اللاتينيّة. ورد أن أسقف غلوشستر حينما اختبر معرفة 311 من الشمامسة والقساوسة ممّن هم على رأس العمل، في عهد إدوارد السادس –ابن هنري الثامن-، وجد أن 168 غير قادرين على تلاوة الوصايا العشر، بينما لم يعرف 31 منهم مصدر تلك الوصايا، فيما عجز 40 عن تكرار صلاة الرب، فلم يكن العامة وحدهم من عُزلوا عن الإنجيل. وقتها كنت أتساءل، أليست اللاتينيّة أيضًا لغة قوم كان من بينهم عامة ورعاة وفقراء؟ لماذا تُرجم العهدين القديم عن العبريّة والجديد عن الإغريقية والآرامية إلى اللاتينيّة دون معارضة من الكنيسة؟ تمثّلت معارضة الكنيسة في حرق الترجمات وأصحابها بتهمة الهرطقة، وكانوا ملاحقين في كل إنجلترا. رغم غرابة الموضوع لكنني لم أفكر حينها في معرفة المزيد عن هذا الأمر. 


أقرأ هذه الأيام المجلّد الثاني من أنطولوجيا الأدب الإنجليزي عن دار نورتون، إحدى أجزاء الكتاب جاءت باختصار على ذكر الصراع الديني في عهد هنري الثامن وابنه وابنتيه، ترجمة الإنجيل كانت جزءً أساسيًا من الصراع. جاءت نقطة مهمة في الكتاب جعلتني أبحث في الموضوع، فللحقيقة جوانب عدّة بجانب الواردة في الوثائقي: لم تكن ترجمة الإنجيل تُشكل مشكلة من حيث المبدأ، إنما المشكلة فيمن طبّق وفي تطبيقه، ولم يكن المنع يعود بشكلٍ جوهري إلى احتقارهم العامة.




(1)


"ترجم السيد جون وكليف الإنجيل الذي أعطاه المسيح إلى رجال الدين وعلماء اللاهوت الأوائل، ليحكموا من خلاله الناس برفق، بالتغذية العقليّة للعامة والمساكين وفقًا لما يقتضيه العصر وحاجة الناس، من اللاتينيّة إلى الإنجليزيّة –البعيدة عن كونها لغة الملائكة-. نتيجةً لذلك، فقد أصبح الإنجيل أكثر شيوعًا وانفتاحًا للرجال البسطاء بل وحتى النساء اللاتي يعرفن القراءة، بعد أن كان مخصّصًا لرجال دين متعلّمين إلى حدٍ ما وينعمون بذكاءٍ جيّد. وعليه، فإن لؤلؤ الإنجيل بُعثر، وداسته أقدام الخنازير." – هنري نايتون، مؤرخ كنسي من دير ليستر.




(2)


ملخص الأحداث:

·         1382م: إنجيل جون وكليف "Wycliffe's Bible" –بالآنجلوساكسونيّة-.

·         1509م: وفاة هنري السابع وبداية حكم ابنه هنري الثامن.

-        1521م: كتاب هنري الثامن "الدفاع عن الأسرار الكنسيّة السبعة - Defence of the Seven Sacraments" للرد على الإصلاحي مارتن لوثر المناهض للبابويّة وسلطة الكنيسة وطقوسها.

-        1526م: إنجيل ويليام تيندل "Tyndale's Bible" – بالإنجليزيّة-.

-        1532م: كتاب "مرآة الحقيقة - The Glass of Truth" المناهض للبابويّة وسلطة الكنيسة، نُشر دون اسم للكاتب، تبيّن لاحقًا أن هنري الثامن هو المؤلف، أو على الأقل قد شارك في تأليفه.

-        1534م: طلاق هنري الثامن من زوجته كاثرين الآرغونية –الكاثوليكيّة- وانفصاله عن روما وإعلانه نفسه رئيسًا للكنيسة، وزواجه من آن ﭙولين -البروتستانيّة-.

-        1535م: إنجيل مايلز كوڤرديل "Coverdale's Bible" – بالإنجليزيّة-.

-        1536م: إعدام ويليام تيندل شنقًا بتهمة الهرطقة وإحراق جثته، من قِبل الكنيسة.

-        1537م: إنجيل توماس ماثيو "Matthew's Bible" –بالإنجليزية-.

-        1539م: الإنجيل العظيم "The Great Bible" –بالإنجليزيّة-، أول إنجيل رسمي حصل على التصريح الملكي بقانونيّته، وأُمر بوضع نسخة منه في كل الكنائس.

-        1543م: قانون هنري الثامن الذي وضع حدودًا لقراءة الإنجيل الإنجليزي.

·         1547م: وفاة هنري الثامن وبداية حكم ابنه إدوارد السادس –البروتستاني-.

·         1553م: وفاة إدوارد السادس وبداية حكم أخته غير الشقيقة ماري –الكاثوليكيّة- (ابنة كاثرين كاثرين الآرغونية.)

·         1558م: وفاة ماري وبداية حكم أختها غير الشقيقة إليزابيث –البروتستانيّة- (ابنة آن ﭙولين.)

-        1560م: إنجيل جنيف "Geneva Bible" – بالإنجليزيّة-.

-        1568م: إنجيل القساوسة "Bishops' Bible" - بالإنجليزيّة-.

-        1582م: إنجيل دوي ريمس " "Douay–Rheims Bible – بالإنجليزيّة- العهد الجديد (إنجيل كاثوليكي)

·         1603: وفاة إليزابيث وبداية حكم الملك جيمس الأول –البروتستاني-.

-        1609وَ 1610م: إنجيل دوي ريمس – بالإنجليزيّة- العهد القديم في مجلدين (إنجيل كاثوليكي)

-        1611م: إنجيل الملك جيمس "King James Version" – بالإنجليزيّة-.




(3)


جون وكليف.
في القرن الرابع عشر، قام عالم اللاهوت في أوكسفورد، جون وكليف، بإنشاء فريق من المترجمين والنسّاخين يترأسهم هو لترجمة إنجيل القس جيروم اللاتيني "الفولجاتا - Vulgate"، والذي ترجمه جيروم بدوره من اللغات الأصلية للكتاب المقدس إلى اللاتينيّة. كان جون وكليف ضليعًا في اللاتينيّة لكن لم تكن إنجليزيّته جيّدة، كما لم تكن الإنجليزيّة آنذاك من اللغات التي يُكتب بها، واجهوا صعوبات في إملاء الكلمات، كما أنهم لم يجرؤا على الترجمة التأويلية حينها، قاموا بترجمة حرفية، كلمة لكلمة، بل واحتفظوا بترتيب الكلمات كما في النص اللاتيني، لم يكن وقتها لكل الكلمات اللاتينيّة في الفولجاتا مقابلًا في الإنجليزيّة، وقد أدخل وكليف ومترجموه خلال هذه الترجمة قرابة الألف كلمة للإنجليزيّة من اللاتينيّة. لم يكن النص ليُدرك بسهولة، لم يعهد به جون وكليف للعامّة مباشرةً، وكان الأساس الذي انطلق منه في مشروعه أن المعرفة بالإنجيل يجب أن تكون مشاعة، وأن لكل إنسان الحق في مشاركة العلماء ورجال الدين هذه المعرفة. فأرسل رجاله يعظون الناس بالإنجيل الإنجليزي الجديد، يقرأونه عليهم بلغتهم، ويحفظون منه الوصايا والصلوات. عُرف هؤلاء الوعاظ باللولارد. كانت نسخة واحدة من الإنجيل تستغرق من عشرة أشهر لسنة حتى تتم، إذا كانت خالية من الرسوم التوضيحيّة والزخارف، بينما النسخ المزيّنة قد تستغرق ما لا يقل عن سنتين. لهذا، لم يكن سهلًا أن يحقق وكليف ما أراد: إتاحة الإنجيل للعامةـ بسبب الترجمة التي لم يكن فهمها سهلًا، ولا يمكن إلا عن طريق فهم الأصل اللاتيني، والآخر صعوبة توفير نسخ عديدة. أُدين وكليف بالهرطقة، وحرّمت الكنيسة تداول إنجيله، وكان اللولارد والإنجيل الإنجليزي مطاردين. أحرقت الكنيسة ما طالت من النسخ، مع ذلك، نجا تقريبًا 170 نسخة من إنجيله وهي موجودة في المتاحف اليوم. حلفاء وكليف الأقوياء سياسيًا تمكنوا من حمايته، فلم يُقتل أو يُحرق، مات ميتة طبيعيّة بعد سنتين من نشره الكتاب المقدّس بالإنجليزيّة. ثم بعد ذلك، في عام 1428م، أخرجت الكنيسةُ بقايا وكليف من القبر، كي لا تُدنّس الأرض الطاهرة، أُحرقت عظامه ونُثر رماده في مجرى النهر القريب من قبره. لم تكن هنالك أي محاولة أخرى بعد وكليف لترجمة الإنجيل حتى القرن السادس عشر، فترة الإصلاح الديني.




(4)


قبل الانتقال لمراحل إصدار الإنجيل الإنجليزي، هذا ملخص لعهد هنري الثامن وأبنائه، وبعض الأحداث التي حصلت، والتي كان لها تأثير في تاريخ الإنجيل الإنجليزي. حكم هنري الثامن من أسرة تيودور بعد والده هنري السابع الذي انتصر في حرب الوردتين. كان لهنري أخ أكبر، آرثر أمير ويلز وكان وريث العرش، منذ سن الثالثة، عقد والده وملك إسبانيا اتفاقًا يقضي بتزويج آرثر بكاثرين الآرغونية ابنة ملك إسبانيا إذا ما صارا إلى سن الزواج، في سبيل تعزيز العلاقات بين البلدين. في سن الخامسة عشر تزوّج آرثر بكاثرين ومات بعد أشهر، فجدّد هنري السابع وملك إسبانيا الاتفاق بخطبة كاثرين لهنري الثامن، كان هنري حينها في التاسعة. بعد سنوات، غيّر هنري السابع رأيه في الارتباط بإسبانيا وأمر ابنه بأن يجد طريقة يتخلّص فيها من أمر خطبة كاثرين. لم يفعل هنري الابن شيئًا، وفي رواية أن هنري الابن هو من طلب هذا من أبيه لكن الأب رفض. حين صار الابن هنري بعمر الثامنة عشر توفي والده، اعتلى هنري الثامن العرش وتزوّج كاثرين الآرغونيّة؛ بالرغم من أن المسيحيّة تحرّم زواج الرجل من زوجة أخيه، إلا أن البابا أصدر استثناءً آنذاك، إذ قالت كاثرين أن آرثر مات وهي عذراء. تزوّجا، أنجبت كاثرين ابنًا مات أثناء الولادة، وآخر مات بعد فترة قصيرة من ولادته، وأجهضت مرّتين، الأمر الذي جعل هنري يفكر بأن هذا عقاب من الرب لأنه تزوّج زوجة أخيه، وفي الآية أن من يفعل هذا لن يكون له ذريّة، رغم أن التحليل استند على آية أخرى تسمح بزواج الرجل من زوجة أخيه إنما لم يكن معمولًا بها، لكن هنري لم يكن مرتاحًا. بعدها، أنجبت كاثرين الآرغونيّة ابنتها ماري، ففكّر هنري بعد أن نجت ماري من الموت، أن القادم سيحمل له وريثًا ذكرًا، الأمر الذي لم يحدث.


خاض هنري الحرب الصليبيّة بدعوة من البابا في روما مع دول كاثوليكيّة أخرى ضد فرنسا التي كفّرها البابا، انتصر، كتب إلى شعبه رسالة بالإنجليزية يخبر فيها عن نصرهم العظيم، وكان أول ملك يكتب بالإنجليزيّة، بعد أن كانت كل مكاتبات الملوك باللاتينية ثم بالفرنسية بعد الغزو النورماندي. كتب هنري أيضًا "الدفاع عن الأسرار الكنسيّة السبعة" دفاعًا عن الكنيسة الكاثوليكيّة ضد أفكار مارتن لوثر الإصلاحي البروتستانتي، منحه البابا لقب "المدافع عن العقيدة." لجهوده الحربيّة والفكريّة المتمثلة بهذا الكتاب الذي ساعده فيه توماس مور، معلمه وصديقه –وقد أعدمه لاحقًا لأنه خالف منهج هنري الجديد مع كنيسة روما-، ورجل دين آخر. كان هنري الثامن متعلمًا من طراز رفيع، ومهتم بعلم اللاهوت وقد درسه، لهذا كان مؤهلًا لكتابة الكتاب. تغيّر موقف هنري الثامن من الكنيسة الكاثوليكيّة لاحقًا. لا أجد أنه من المقنع أن نقول أن هنري الثامن مدفوعًا بالحب وحده قد أراد الطلاق من كاثرين الآرغونيّة، إنما بشكل أكبر دفعته حاجته إلى وريث ذكر. ولم يحصل بعد مماطلة لست سنوات من الرد الذي رغبه من الكنيسة في روما، والتي باتت تخضع لسلطة الإمبراطوريّة الإسبانية والتي يحكمها ابن أخ كاثرين الآرغونيّة الذي يُملي عليهم موقفهم من طلب الطلاق هذا بناءً على مصلحة ورغبة كاثرين، بل وعقد اتفاقًا مع البابا ينص على ألّا يبت في هذه القضية إلا بما ترغبه كاثرين، إن طلاقًا أو غيره، على أن يحافظ على ممتلكات الكنيسة ويرعاها. حينها، سعى هنري الثامن للانفصال عن الكنيسة في روما، حملته لاقت تأييدًا لدى الإنجليز الذين لم تقبل وطنيّتهم أن يخضعوا لسلطة كنيسة تخضع بدورها لغازٍ أجنبي, كما أنهم يؤيدون رغبة الحصول على وريث ذكر، حتى لا تنتقل إنجلترا إلى حكم من سيتزوّج بماري إذا كبرت، وقد كان من المفترض أن تتزوج ولي العهد الفرنسي. كانت الوطنيّة والحس الإنجليزي آنذاك سائدة، وقد أسس لها هنري، ولهذا فإن الإنجليز لا يرغبون بسلطة بابويّة من خارج إنجلترا، وبرأيهم يجب أن تُدار إنجلترا بواسطة الإنجليزيين فحسب. 


في تلك الفترة، صدر كتاب لمجهول بعنوان: "مرآة الحقيقة." يقول مؤلفه الذي تبين لاحقًا أنه إما هنري نفسه أو هنري وآخرون قد ألفوه، أن حق سيطرة الكنيسة في روما على إنجلترا أمر ليس له أساس في الإنجيل، وأن الإنجيل لم يتضمن مثل هذه الأمور التي يقرّها البابا لنفسه، وأن كنيسة إنجلترا لم تكن تخضع في أوقات سابقة لروما، وأنه أمر مُستحدث ويعتبر انتهاكًا لسيادة إنجلترا وتدخل في شؤونها. أخيرًا، أُخْرِج البابا من مفاوضات الطلاق من قبل هنري، وتم الطلاق بحكم كنيسة إنجلترا، تبعًا لذلك أخرج البابا إنجلترا من ملكوت الرب، وأعلن هنري نفسه رئيسًا للكنيسة الإنجليزيّة المفصولة عن روما، وكان هذا بداية الإصلاح الديني في إنجلترا. ترتب على هذا أن أصبحت السيادة مطلقة لهنري الثامن، انتعشت الخزينة الإنجليزيّة التي استهلكتها الحرب الصليبيّة بمصادرة هنري لممتلكات الكنائس في عام 1536 وحتى 1540م. قبل 1534م. كان هنري على وعده للكنيسة في روما بحرق ترجمات الإنجيل ومعاقبة متداوليها وناشريها والقائمين عليها. بعدها، صار هنري داعمًا للإنجيل الإنجليزي، وصدر في عهده عدّة أناجيل من ضمنها الإنجيل العظيم. 


بعد طلاقه من كاثرين، تزوّج هنري بآن ﭙولين، أنجبت إليزابيث، أجهضت عدّة مرات، لم تنجح في إنجاب الوريث الذكر. قرر هنري التخلّص منها من أجل زيجة أخرى يظفر من خلالها بالوريث الذكر ولفّق لها تهمة الخيانة، وفي رواية من الروايات المتعددة عن زيجات وطلاقات هنري، يُقال أن آن في سبيل الوريث الذكر خانت هنري في علاقات غير شرعية متعدّدة، حُكم على آن وشركاءها في الخيانة بالإعدام. تزوّج بعدها هنري بجين سيمور، أنجبت له الوريث الذكر، إدوارد السادس، ماتت أثناء الولادة، تزوج بعدها برابعة ، ثم خامسة  وهي كاثرين هوارد –ابنة خال آن ﭙولين- وأعدمها لاحقًا بعد أن ثبتت خيانتها له، ثم زوجة سادسة خلّفها هنري أرملة. بعد أن مهّد الطريق لإصلاح ديني، رغم أنه لم يرد عنه اعتناقه البروتستانتيّة. 


خلفه ابنه إدوارد، الذي تلقى تعليمًا بروتستانتيًا، لم يكن حاكمًا فعليًا، فقد كانت الدولة تُدار من قبل البرلمان والوزراء نيابة عنه لصغر سنّه، لكن كان على ما أسس لها هنري. أشتد عليه المرض أثناء التحضير لزواج مستعجل، من أجل وريث ذكر، لكنه مات قبل هذا. اعتلت ماري ابنة كاثرين الآرغونية العرش، ماري الكاثوليكيّة. كان الكاثوليك لا يعترفون إلا بشرعيّة زواج هنري من كاثرين الآرغونيّة، بينما لا يقرون بشرعية زواجات هنري الأخرى، أما البروتستانتيّون فلا يعتبرون ماري ابنة شرعية لهنري، ولا يرون أن زواجه بوالدتها شرعيًا. سعت ماري إلى أن تُعيد الكنيسة الإنجليزيّة إلى روما، الكنيسة الأم لدى الكاثوليك، جعلت الكاثوليكيّة الدين الرسمي للدولة، أعدمت البروتستانتيين في مذبحة مهوّلة، حيث وجهت دعوة تحاور معهم، لتضمن أكبر كم من البروتستانتيين وحتى يحضر من يخفون عقيدتهم البروتستانتيّة أيضًا، تم لها هذا، اعتقلتهم وأعدمتهم، واستمرت إعدامات ماري للبروتستانتيّين طيلة فترة حكمها القصيرة، قرابة خمس سنوات. كانت ماري قد تزوّجت بملك إسبانيا، لكنها لم تنجب. كان الوطنيون الإنجليز يعتبرون ماري خائنة، بسعيها استعادة سلطة روما على إنجلترا، وأنها كانت تُقدم مصلحة زوجها وإمبراطوريّته على إنجلترا. خلفتها أختها إليزابيث، البروتستانتيّة، والتي كانت حازمة من البداية في موقفها من هذا الصراع، صفّت الكاثوليكيّين، كما فعل أفراد أسرة تيودور من قبلها مع مخالفيهم.




(5)


إصرار البروتستانتيون على أن الإيمان الصحيح لابد أن يُبنى على الكتاب المقدّس فقط، ورفضهم للعديد من الممارسات الكاثوليكيّة التي لا تستند على نص في الإنجيل، مثل صكوك الغفران وفرض الكنيسة نفسها وسيطًا بين العامّة وربهم جعل ترجمة الإنجيل إلى اللغات العاميّة الأوروبيّة ضرورةً ملحة بالنسبة لهم، وهرطقة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكيّة. بحسب مصادر كاثوليكيّة طالعتها على الإنترنت لم تكن الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة، قبل حركة الإصلاح الديني، ترفض رفضًا مطلقًا أن يُترجم الكتاب المقدّس إلى اللغات العاميّة، بل قد ورد أن الكنيسة أشرفت على ترجمات كاملة للكتاب المقدس إلى لغات عاميّة، من بينها الآنجلو ساكسونية –الإنجليزيّة القديمة- والسلافيّة، قبل قرون من الإصلاح الديني. لم تكن هذه الترجمات، بعد أن بحثت عنها أكثر، ترجمات كاملة للكتاب المقدّس، فالترجمات للإنجليزيّة القديمة يُقصد بها نظم الشاعر المسيحي كدمون لبعض قصص الإنجيل، ونظم أو ربما ترجمة اللاهوتي بيد لكتاب المزامير. جرى هذا من خلال الكنيسة نفسها، كدمون وبيد من ضمن دائرتها، ومثلما كانت الرسوم والمسرحيات المقتبسة من قصص الإنجيل شائعة آنذاك، كذلك القصائد التي تحكي هذه القصص. أمّا الترجمة السلافيّة الأولى، في القرن التاسع الميلادي، فكانت للمزامير، ليست للكتاب المقدس كاملًا. بحسب الكاثوليك، أن المشكلة كانت في أن يقوم الخارجين عن الكنيسة الكاثوليكيّة بترجمة الإنجيل ترجمة تأويليّة يحملونها أفكارهم غير الصحيحة. في عصر الإصلاح، أو الصراع الديني، حرّمت الكنيسة الكاثوليكيّة ترجمة الكتاب المقدّس، وكان الموت حرقًا مصير من يترجم الإنجيل أو يقرأ أو ينشر الإنجيل المترجم.




(6)


وليام تيندل.
كان ممّا مهّد الطريق للإنجيل الإنجليزي آنذاك، اختراع الطباعة، حيث سهّلت صدور الكتب، لم يعد إنجيلًا واحدًا يتطلب عشرة أشهر من العمل كما في عهد وكليف! كما أن ترجمة لوثر للكتاب المقدّس بعهديه عن اللغات الأصلية قد ألهم تيندل، ترجمة لوثر التي لم تكن الأولى بالمناسبة فيما يتعلق بترجمة الكتاب المقدّس للألمانيّة، سبقتها ترجمات غير كاملة، وعن اللاتينيّة، لكن لم يكن أحد الترجمات السابقة أو اللاحقة لترجمة لوثر بمستواها، وظلت المعتمدة حتى مطلع القرن العشرين. في عام 1525م.، صدرت ترجمة بارزة للعهد الجديد عن لغته الأصل –الأغريقيّة والآراميّة- قام بها اللاهوتي اللوثري؛ وليام تيندل. تيندل أحد أساتذة أوكسفورد، متمكّن من سبع لغات، من بينها العبرية والإغريقيّة واللاتينيّة والآراميّة. أراد أن يتدفّق الدين للناس دون وسيط، ليس كما تريد الكنيسة، أنها هي من عليهم أن يعبروه للدين. كانت الكنيسة تضع نفسها في الوسط بين الناس من جهة والإنجيل والرب من الأخرى، يصلون ويعترفون للقس، الذي بدوره يصلّي للرب ليغفر لهم ذنوبهم. بينما أراد تيندل أن يكون لهم حق الوصول المباشر للإنجيل والرب، أن يكون الإنجيل في الوسط، الناس من جهة والرب من الأخرى، وأنه المعبر الوحيد إلى الرب. 


 قد سعى تيندل لكسب موافقة بعض القساوسة ذوي التأثير على مشروعه، ولمّا لم يحدث هذا، رحل إلى أوروبا عام 1524م. وبدأ مشروعه هناك. بحلول 1526م.، كانت ست آلاف نسخة من العهد الجديد باللغة الإنجليزيّة في طريقها إلى إنجلترا من مطابع أوروبا، تهريبًا، تمكنت السلطة في إنجلترا من معرفة هذا عن طريق جواسيسها،  فبدأت حملات لتفتيش السفن والقوارب بحثًا عن الأناجيل، تمكنت من اعتراض بعضها، صادرتها وأحرقت المهرّبين والأناجيل، مع ذلك، دخلت أعداد منها إلى إنجلترا وصارت متداولة سرًّا. نتيجةً لعدم قدرتهم اعتراض كل الأناجيل القادمة، سعى أسقف لندن إلى شراء كل أعداد الأناجيل التي تبقت لدى تيندل، عن طريق وسيط، ليحرقها كلها. تم الأمر وفي ظن الأسقف أنه بالحيلة تفوّق على تيندل، بينما قام تيندل بطباعة نسخ جيب من الإنجيل، سهلة الإخفاء والتداول على حساب الكنيسة. أدانته الكنيسة بالهرطقة، وأتهمته بترجمة الإنجيل ترجمة فاسدة، وحكمت عليه بالإعدام. لكنه لم يقع في قبضتها حتى 1535م. سجنته لأشهر ثم أعدمته، خارج أراضي إنجلترا. كان تيندل قد وجّه انتقادات حادة لزيجات هنري، مما أغضب هنري، الذي أمر بأن يُقبض عليه ويجلب إليه، لا يُعرف إن كان قد جُلب إليه أم لا قبل أن يُعدم، الكنيسة الكاثوليكيّة كانت المسؤولة عن إعدام تيندل. لم يرد أن هنري قد أمر بأن يُعدم. بل أنه في وقت متأخر، أُعجب بفكرة الإنجيل الإنجليزي أخيرًا وآمن بها، لكن هذا كان بعد إعدام تيندل. لم يترجم تيندل الإنجيل كاملًا، بعد نشره للعهد الجديد بالإنجليزيّة، الذي يقال أن تضمن الأناجيل التشريعيّة فقط، بدأ في ترجمة العهد القديم عن العبرية لكن لم تتح له الكنيسة أن يُكمل ما بدأ. مساعده جون روجر قد حصل على أوراق العمل وأتمّه لاحقًا. تميّزت ترجمة تيندل بالدقة، وقد قيل أنه حوّل الإغريقيّة الجميلة إلى إنجليزيّة تضاهيها جمالًا. وقد استخدم تيندل الكتابة المائلة، للكلمات غير الموجودة في النص الأصلي. 


كانت كلمات تيندل الأخيرة، وهو يُعدم: "أيّها الرب، افتح عينيّ ملك إنجلترا." وخلال عام، كان هنالك إنجيلًا إنجليزيًا في كل كنيسة في إنجلترا، بأمر الملك.




(7)


مايلز كوفرديل.
إنجيل مايلز كوڤرديل هو أول إنجيل إنجليزي كامل، اشتمل على العهدين، لكن لأنه كان أوفر حظًا من زملائه، فلم يُعدم، لم يشع ذكره ولا ذكر إنجيله. يُعتبر كوڤرديل ثاني أهم فرد في تاريخ الإنجيل الإنجليزي بعد تيندل. حيث عمل مساعدًا لتيندل في إنجيله، كما شارك لاحقًا في تحرير الإنجيل العظيم وإنجيل جنيف. في عام 1528م. في الأربعين من عمره ترك مايلز كوڤرديل الكنيسة الكاثوليكيّة والتحق بحركة الإصلاح، غادر إنجلترا إلى أوروبا. كان يختلف عن تيندل في فطنته السياسيّة، وعلاقاته الاجتماعية المتعدّدة بأشخاص ذوي نفوذ وقادرين على حمايته، في أوروبا وإنجلترا، فقد نجا منذ عهد هنري وحتى إليزابيث. كان مايلز كوڤرديل مُجتهدًا وغزير الإنتاج، بجانب عمله الأساسي في ترجمة الإنجيل والتحرير مع الآخرين، كان ينشر مقالات وكتيّبات في المسيحيّة. عاد 1535م. إلى إنجلترا خلال فترة زواج هنري بآن.




(8)


كان كبير أساقفة كانتربري آنذاك توماس كرامنر، وهو من المتحمّسين للإنجيل الإنجليزي، وربّما أنه من أقنع هنري به، حيث أمر هنري بأن يقوم القساوسة بترجمة الإنجيل. ظل كرامنر كبير أساقفة كانتربري في عهد هنري، ومن بعده ابنه إدوارد، ولوقت قصير في عهد ماري قبل أن تعزله وتعذّبه، وأخيرًا تعدمه حرقًا لبروتستانتيّته. رغم أن كرامنر بعد التعذيب تراجع عن آرائه الإصلاحيّة، إلا أن هذا لم يشفع له، وحين كان يُحرق تراجع عن تراجعه.

توماس كرامويل، أحد أهم رجال هنري، كان يلبي رغبات هنري، روّج لهنري وأجندته، وكان من مؤيدي الإنجيل الإنجليزي. أعدمه هنري لاحقًا في عام 1540م. بعد هذا الإعدام، خاف مايلز كوڤرديل على حياته فغادر إلى أوروبا ولم يعد حتى عام 1547م.، بعد وفاة هنري. وظل في إنجلترا طيلة فترة حكم إدوارد، وبوفاة إدوارد غادر إلى أوروبًا مجدّدًا، فحياة البروتستانتي مهدّدة بالخطر، ماري على العرش!




(9)


قصد مايلز كوڤرديل جنيف بعد حين، ساهم في إنجيل جنيف، ثم عاد عام 1559م. إلى إنجلترا، في فترة حكم إليزابيث، حيث لم تعد حياته مُهدّدة. كان كوڤرديل مُقدّرًا ومُحترمًا، لكن خبا نجمه ولم يعد ذا تأثير. إنما كان إنجيله صامدًا، فقد صدر في عشرين طبعة، حتى بعد إنجيلي ماثيو وجنيف، استمرت طباعته. كان إنجيل كوڤرديل مبني في الأساس عل عمل تيندل –العهد الجديد-، الذي كان تحفة في براعة الترجمة والأسلوب واللغة، حررّ بعض الأشياء وحدّث ما أحتاج تحديث من مفردات، فاللغة الإنجليزيّة متجدّدة دائمًا كما نعلم. أمّا فيما يتعلق بالعهد القديم فقد كان مصدره الأساسي ترجمة لوثر الألمانيّة، لم يترجم كوڤرديل عن اللغة الأصلية للعهد القديم. يعتبر –خطأً- أول إنجيل رسمي مُصرّح باستخدامه في عهد هنري، لكن الأمر قد كان مختلفًا. 


كان هنري قد أراد إنجيلًا إنجليزيًا، فأمر كبير أساقفة كانتربري توماس كرامنر القساوسة بأن يشرعوا في ترجمة الإنجيل، كان هذا بعد الانفصال عن روما، لكن أغلبهم لم يكن متحمسًا، بسبب عقيدته الكاثوليكيّة، أو لأنهم أرادوا أن يقوم غيرهم بالعمل. في عام 1535م. لفت كرامويل انتباه هنري إلى إنجيل كوڤرديل، وكان كرامويل مصدر معلومات هنري عن ترجمة كوڤرديل، وأخبره أن كل القساوسة يتعاملون به ويعتمدون عليه ويحتفظون بنسخٍ منه. وحين لم يحدث أي تقدم في مشروع ترجمة القساوسة للإنجيل، استدعاهم هنري وسألهم هل تحتوي ترجمة كوڤرديل هرطقة؟ وحين أجابوا بالنفي، فقال حسنًا، فليقرأوه شعبنا الإنجليزي. كانت ترجمة مايلز كوڤرديل للمزامير ترجمة سهلة جميلة موزونة جعلتها قابلة للغناء. استمرت طباعة إنجيل كوڤرديل حتى بعد وفاته.




(10)


جون روجر.
تسليط الضوء على الأناجيل الثلاثة: إنجيل تيندل، إنجيل جنيف، إنجيل الملك جيمس أدى إلى تجاهل أناجيل مهمة أخرى ولها إسهامات لا يجب أن تُغفل. أحد هذه الأناجيل إنجيل توماس ماثيو، والذي قام بترجمته جون روجر وصدر عام 1537م. استخدم جون روجر اسمًا مستعارًا حتى لا يتم التعرف عليه، خوفًا على حياته، ولكي لا يُربط إنجيله إذا ما ظهر باسمه الحقيقي بإنجيل تيندل، حيث عمل مساعدًا لتيندل في العمل على إنجيل الأخير. كان تيندل قد بدأ قبل القبض عليه بترجمة العهد القديم، ومن المرجح أن جون روجر استطاع أن ينقذ الأوراق التي احتوت الترجمة وملاحظات تيندل الأخرى من مصادرة الكنيسة، التي صادرت أملاك تيندل، ثم أكمل العمل. اعتمد روجر على عملي تيندل وكوڤرديل في إنجيله. وكما أسلفنا كان هنري قد أمر القساوسة بترجمة الإنجيل، وحتى صدور إنجيل ماثيو لم يقدّم القساوسة شيئًا، فوقع هنري ورقةً تسمح بتداول إنجيل ماثيو. بعد إعدام تيندل بسنة ونصف تقريبًا، كان لإنجلترا إنجيلين معترف بها، تُطبع وتُنشر، إنجيل كوڤرديل وماثيو.




(11)


في عام 1539م. صدر أخيرًا الإنجيل الذي أراده هنري، الإنجيل العظيم. صُمم الإنجيل العظيم كبيرًا، فلم يكن للتداول بين الأفراد، إنما صُمم ليوضع في الكنائس فيُقرأ منه وهو فيها، وقد أمر بوضع نسخة في كل كنيسة. عمل كوڤرديل ضمن من عمل في ترجمة الإنجيل العظيم، لم تكن ترجمة جديدة، فقد أعادوا صياغة الترجمات السابقة ونقّحوها. يسمى أيضًا بإنجيل كرامنر بسبب تقديم كرامنر لطبعته الثانية، كما يُسمى بإنجيل كرامويل حيث سعى كرامويل لصدوره. كما عُرف على نطاق واسع بالإنجيل المُسلسل، ولا يعني هذا أنه حُجب عن العامة، إنما قُيد إلى الجدار ووضع على طاولة في غرفة من غرف الكنيسة الخارجيّة تظل مفتوحة دائمًا، ليتمكن الناس من القدوم إليها وقراءة الإنجيل في أي وقت، وقد كان مُسلسًلا حمايةً له من السرقة. لم يكن من المتاح لكل الناس اقتناء الأناجيل، ليس منعًا بالطبع، إنما كان ثمنه أكثر ممّا تقدر عليه الأسر متوسّطة الدخل، لهذا جاء الإنجيل العظيم هذا من أجلهم، ليُتاح لهم قراءته دون أن يُرهقوا ميزانيّاتهم. طُبع في البدء في باريس، ثم في إنجلترا. كان أكثر الكتب جذبًا للقراء من العامة ذلك الوقت. في وقت لاحق، أصدر هنري قانونًا يحد من قراءة الإنجيل، وجعله متاحًا فقط لرجال الدين والنبلاء والعلماء وطلاب العلم والطبقة الراقيّة، إذا شاعت أغانٍ إنجليزيّة بين العامّة تتضمن عبارات من الإنجيل الإنجليزي، وهذا ما أغضب هنري واعتبره استهتارًا بكلمة الرب، وفي رواية فإنه قد منع النساء والخدم والعمال والحرفيين من قراءة الإنجيل جهرًا أو سرًا، للحد من تأثير حركة الإصلاح الديني.




(12)


يُعد إنجيل جنيف ثاني أهم ترجمة إنجليزيّة للإنجيل بعد ترجمة الملك جيمس. كان ما حدث أثناء حكم ماري، وبسبب إعدامها للبروتستانتيين، أن سنفر العديد منهم بحياتهم وهربوا إلى أوروبا، من ضمن هؤلاء وليام ويدنغهام، مكوّنين مجتمعات إنجليزيّة صغيرة. ويدنغهام باحث لاهوتي مهمّ، يمثل حقبة جديدة مختلفة من علماء الإنجيل. ذهب إلى فرانكفورت في بادئ الأمر، عمل مع جون نوكس الإصلاحي الذي كان قد ترك اسكتلندا. ثم غادر جون نوكس فرانكفورت إلى جنيف، للعمل مع كالڤن، ثم لحق به ويدنغهام. في عام 1560م. صدر إنجيل إنجليزي جديد، بترجمة البروتستانتيّون الكالڤينيون، الذين أسسوا لحكومة ثيوقراطية في جنيف، بقيادة كالڤن. كانت الترجمة عن اللغات الأصلية للعهدين القديم والجديد، وهي المرة الأولى التي تكتمل الترجمة عن اللغات الأصلية، بعد محاولة تيندل الناقصة والتي تضمنت العهد الجديد فقط. كان إنجيل جنيف خيار أغلبية البروتستانتيون للقرن التالي. احتوى إنجيل جنيف على ملاحظات وشروح ليس للكلمات التي يُعتقد أنها صعبة فحسب، إنما على أجزاء أو آيات معيّنة، كما تضمن تأويلًا للآيات، وتعليقات ودروس وشروح وآراء كالڤن. لم تكن معتقدات وآراء كالڤن قد أخذت شكلها النهائي بعد، فكانت تتغيّر مع كل طبعة. كما كان أول إنجيل يصل إلى المستعمرات الأمريكيّة. في ذلك الوقت كان من الصعب استخدام الإنجيل العظيم، فالإنجليزيّة سريعة التطوّر قد تغيّرت عن الوقت الذي كانت عليه ذلك الوقت، أدرك ماثيو ﭙاركر، كبير أساقفة كانتربري في عهد إليزابيث حاجتهم لإنجيل جديد، إنجيل يخص الكنيسة الإنجليزيّة، يكون بديلًا لإنجيل جنيف، الذي يتضمن ملاحظات معادية للملكيّة ومنكرة للحق الإلهي الممنوح للملكية وأنهم وكلاء الرب في أرضه، فأمر بإنجيل صدر لاحقًا، بعد ثماني سنوات من إنجيل جنيف، وعرف بإنجيل القساوسة، لم تعتمده إليزابيث بأمر ملكي، إنما اعتمده ﭙاركر. كان العمل على إنجيل القساوسة عملًا منظّمًا، حيث وُثِّقت أسماء القساوسة وذُيِّلت بها الأجزاء التي ترجموها، إنما يؤخذ عليه رداءة الترجمة مقارنة بباقي الترجمات، خاصةً في أنهم ترجموا آيات المزامير بشكل يجعلها لا تقبل الغناء. كان إنجيل جنيف تحفة لغوية، وقد اقتبس عنه وليام شكسبير. الجدير بالذكر أن إنجيل جنيف كان أول إنجيل تُقسّم فيه النصوص إلى آيات.




(13)


صدرت الترجمة الكاثوليكيّة الإنجليزيّة الأولى للإنجيل، إنجيل دوي ريمس، بدءً من عام 1582م. وكانت الترجمة على الفولجاتا اللاتينيّة، الذي يُشكّك البروتستانتيّون في صحته. كان الغرض من الترجمة، مواجهة انتشار الأناجيل الإنجليزيّة البروتستانتيّة التي أخذت في الانتشار بين الناس، الكاثوليكيّون أخيرًا قرروا خوض الترجمة، قد يستعيدون ما خسروه لصالح البروتستانت. ظلوا متمسكين بالعقيدة الكاثوليكيّة ومؤكدين على صحة ومناسبة الفولغيت اللاتيني. صدر العهد الجديد بداية، في مجلد واحد، كما أسلفنا كان هذا عام 1582م. ثم صدر العهد القديم في مجلدين، أولهما كان 1609م. والآخر 1610م. احتوت الهوامش على ملاحظات متعلقة بقضايا ترجمة الإنجيل، والأسس التي تُرجم الفولجاتا بناءً عليها وما إلى ذلك. صدر أخيرًا إنجيل الملك جيمس، والذي يكوّن إنجيل تيندل 85% من مادته، إنجيل الملك جيمس المفضل لدى من يتحدّث الإنجليزيّة من المسيحيين بكافة أطيافهم منذ صدوره وحتى الآن. لم تتوقف ترجمات الإنجيل إلى الإنجليزيّة حتى الآن، ترجمات نقدية وتأويلية وترجمات مبسّطة وترجمات كلمة لكلمة، ترجمات عديدة مبنية على مبادئ مختلفة، أحدث ترجمة صدرت كانت في العام المنصرم. بقي أن أضيف شيئًا: الترجمة العربية للإنجيل سبقت الإنجليزية.




(14)

أخيرًا، حاولت أن أختصر، مع هذا يوجد الكثير ليُقال حول الإنجيل الإنجليزي وظروف ذلك الوقت. كان من المفترض أن أضع كل المراجع المتوفرة على الإنترنت، لكن بسبب عطل في المتصفّح فقدتها، ولم أحتفظ إلا بقائمة تشغيل -5 محاضرات- تتناول مقدمة لتاريخالإنجيل الإنجليزي، تغطي من إنجيل تيندل وحتى إنجيل القساوسة. لكن يمكنكم العثور على الكثير من المواد المتعلقة بالإنجيل الإنجليزي من نقاشات ومحاضرات ووثاقيات على يوتيوب.