الجمعة، 7 نوفمبر 2014

اشرع في الكتابة القصصية. -2-








أترجم في هذه السلسلة " اشرع في الكتابة القصصيّة" مجموعة من المقابلات القصيرة التي أُجريت مع مجموعة من الكُتّاب الذين حققوا أرقام مبيعات عالية لكتبهم، من أجل منهج من مناهج الكتابة الإبداعية في "أوﭙن يونڤيرستي"، ولأنها مقابلات صوتيّة، ترجمتها بتصرف حتى تظهر أكثر ضبطًا كنص مكتوب. في كل حلقة يتناول الكُتّاب الحديث عن موضوع واحد.

 (2)

- البحث والتأثير في كتابتك.

أ. الاستفادة من الكتب والأفلام.



·         لوي دي برنيه: 


أعتقد أنك إن لم تكن تقرأ، فلن تنشر أي شيء. لن تُتِم أي قطعة كتابيّة. إن رغبة أن تُصبح كاتبًا إن لم تكن قارئًا؛ رغبة دون معنى. أقرأ كل يوم في المغطس، حتى يبرد الماء، هذا فقط لقراءة الروايات والأدب القصصي وأشياء من هذا القبيل. بالنسبة للقراءة بغرض البحث، فأقرأ جالسًا برفع قدمي على طاولة المطبخ. إنني أقرأ كثيرًا. على مر حياتي كان لدي هوس بكتّابٍ عدّة، صارت قائمتهم طويلة وهائلة اليوم. أطول فترات الهوس كانت بكتّاب شتّى من أمريكا اللاتينيّة، الأمر الذي أعتقد أنه يتّضح في أسلوبي. من ناحيةٍ أخرى، قد كان لدي هوس بتولستوي، هنري جيمس، ستاينبك، هرمان هسّه، حين كنت طالبًا وكان كل شخص يبحث عن معنى الحياة. أثناء بضع سنواتٍ مضت، كان لدي بعض الهوس بجين أوستين وبإيريس موردوك. حين أقرأ كثيرًا لهم، ثم أتوقف لأمضي إلى شيء آخر.



·         باتريشيا دنكر:


اقرأ كل شيء، اقرأ دائمًا، اقرأ على الطريقة الكاثوليكيّة[i] قدر المستطاع. اقرأ الأدب القصصي إذا كنت تكتب النثر القصصي، اقرأ الأدب القصصي بتوسّع، اقرأ الكثير من الكتابة غير القصصيّة، اذهب إلى المسرح، اقرأ كل ما تطال يدك. كلّما قرأت أكثر واستوعبت أكثر، أصبحت نصوصك أكثر غنىً وترابطًا.


·         تيم ـيـرز:

الأدب عالمٌ شاسع، إذا تمكّنت من دخوله عبر بوابة الكتابة فأنت بطريقةٍ ما في مقعد قيادة أمر فريد للغاية، والقراءة ستمنحك تجربةً أكثر ثراءً، تقوم بها كما لو كنت متآمر مزدوج.



·         أليكس غارلاند:


أنا مولعٌ جدًا بالأفلام، أحب مشاهدتها. على الأرجح فإن "سائق الأجرة"[ii] هو الفيلم الذي تمنّيت لو أنني كتبته، الذي سأحب لو أنني من كتبه أكثر من أي شيء آخر. أعتقد أن تأثير الأفلام الكبير يعود إلى خلفيّتي مع المجلات المصوّرة، لأنهما تعملان بطرق متشابهة جدًا، وفيما يتعلّق بضبط المشاهد في الروايات، اعتدت دائمًا أن أفكّر بشروط المجلات المصوّرة. تقريبًا مثلما لو كان لديك لقطة مصوّرة، وعليه تُجهِّز المشهد، ثم تقوم بالتركيز على شخصيّة ما. تكون قد أعددت المشهد ثم الآن يمكنك التعامل حقًا مع شخصيّتين تتحدثان، وقد تتراجع عنهما عند نقطة معينة. هنالك جزء في رواية "الشاطئ"[iii] حيث يجلس بعض الأشخاص على الشاطئ ويدردشون، ثم تقطع اللقطة وتنتقل إلى طفلٍ يلعب بالكرة عند الشاطئ، ثم تعود اللقطة إلى أولئك الأشخاص، هذا شبيه كثيرًا بالقصص المصوّرة، كما يشبه الأفلام أيضًا بشكل كبير.




ب. متعة البحث وجمع التفاصيل لإعادة خلق الماضي.


·         تيم ـيـرز: 


إحدى المميزات العظيمة لكتابة رواية أنها مسوّغ للحصول على معلومات عن عالم بأكمله. لطالما حدث هذا، في البداية أفكّر: "حسنًا، ما الذي أرغب حقًا في معرفته من خلال هذا الكتاب؟" لدي بعض الأفكار الأساسيّة، لتُضمَّن في عالم حقيقي من الأشخاص، وما أهتمّ له عادةً هو ما يفعله الناس من كل مكان، يجذبني مثل مغناطيس. يقول الناس أحيانًا أن أهم ما يجب علينا فعله؛ أن نتذكّر، ألّا ننسى. ألّا ندع الأشياء للنسيان، لهذا نحن الروائيون حرّاس الذاكرة بطريقةٍ ما، هذه إحدى وظائفنا. من خلال تجربتي وبالنسبة لكتّاب آخرين قد تحدّثت معهم، يبدو أن ضعف الذاكرة؛ إحدى السمات الشائعة. يشبه أن تملأ نفسك بأشياء، ثم تدعها تغادر، لأنك تتجه إلى أشياء تالية. وعلية بالنسبة لكتاب "في أرض الوفرة" الذي يتعاطى مع الماضي القريب، مع أشياء حدثت أثناء حياتي لكن بالطبع لم أتمكن من الاعتماد على ذاكرتي!، قد استفدت من كل شيء: الجرائد، الكتب، وكثيرًا من ذاكرة الآخرين. استفدت أيضًا من الصور، أعتقد أن الصور نافعة جدًا، حيث أنك تنسى تسريحات الشعر والأزياء وما إلى ذلك، وحين تشاهد صورة يعود إليك كل هذا وتقول: "ربّاه، كنا نلبس بهذه الطريقة، وتتذكّر كل شيء."



·         باتريشيا دنكر:


لقد كتبت رواية تاريخية واحدة، روايتي الثانية "جيمس ميراندا باري"[iv]. أعتقد أن كل الروايات روايات تاريخيّة إلى حدٍ ما، لأنه مهما كانت الفترة التي تكتب عنها يجب أن تُدرس دراسة شاملة. آخر رواية كتبتها كانت معاصرة، تقع في وقتنا اليوم، ولا زلت أجد أن علي البحث تقريبًا بذات القدر الذي بحثته لجيمس باري. كان البحث لرواية جيمس ميراندا باري ممتعًا، لأنها تقع في الجزء الأول من القرن التاسع عشر، خلال الأعوام 1865 – 1870م. وأحد الأمور التي تسترعي انتباهي حول هذه الفترة الانتقال من عصر الوصاية إلى العصر الفيكتوري، فصار الناس أكثر التزامًا وصار الدين أكثر أهمية في المجتمع. من أجل هذا الكتاب، قرأت الكثير من التاريخ، الكثير جدًا عن مهن شخصياتي. أحدهم كان طبيبًا وإحداهن ممثّلة، لذلك قرأت الكثير جدًا عن وضع المسرح آنذاك، وعن الأبحاث الطبيّة في القرن التاسع عشر. الجانب الآخر الآسر في الكتاب بالنسبة لي محتواها غرب الهندي. لأنه جيمس ميراندا باري كان طبيب في حقبة الاستعمار، يعمل في الخارج، وأمضى جزءًا من حياته المهنيّة في جامايكا، البلد الذي قدمت منه. لذلك كان آسرًا أن أقرأ كل هذه المعلومات التاريخيّة التي كنت قد سمعت عنها بغموض أو عرفت عنها القليل، وأغوص في أعماقها، خاصةً ثورات العبيد، إذ أن في الكتاب جزء عن تمرد مورانت باي[v]، الأمر الذي لم أكن أعرف عنه إطلاقًا حتى قمت بالبحث عنه، باستثناء أننا كثيرًا ما نحتفي به على طوابع البريد. لان أقول بأنني بحثت بحثًا أقل من أجل الروايات الحديثة، في الحقيقة يميل البحث إلى أن يكون نفسه بالنسبة لكل رواياتي، إذ يتناول المهن والمواقع وتاريخ الأمكنة. 



·         أليكس غارلاند: 


في الحقيقة، لم أقم بأي بحث متعمّد لأيٍ من كتابيّ. بالصدفة، كنت رحّالةً، وكان هذا ما تتمحور حوله حياتي. الكتابة كانت بالنسبةِ لي همًّا ثانويًا مقارنةً بالكيفيّة التي سأحصل بها على تذكرة أو تأشيرة أو التفكير في مكانٍ أذهب إليه. كنت مأخوذًا بالفلبين، بشكلٍ خاص، لقد كنت هناك مرارًا ولسنوات طويلة، في الوقت الذي شرعت فيه بكتابة "تسكرات". وعليه، لم أكن حقيقةً بحاجةٍ إلى أي بحث. كما أعتقد أن البحث المتعمّد قد يكون صعبًا، إذ يمثل خطوة جانبيّة تأخذك بعيدًا عن الخيال، أو تكون كذلك إن لم تكن حذرًا، يظهر هذا في الكتابة. أعتقد في الغالب، أن الكثير من عملية الكتابة يعتمد على التحرير، على ما تحذفه، هذه واحدة من بديهيات الكتابة البسيطة. إذا ما تركت القارئ مع شعور أن أمرًا ما قد أُنهِك بحثًا، فهذا يجعله على مبعدة من اتصاله العاطفي بالسرد.








[i] أي قراءة متمعنة تبحث عن المعنى خلف الكلمات، مثل الطريقة التي يُقرأ بها الإنجيل.
[ii] صدر الفيلم عام 1976م. حصد العديد من الجوائز وحاصل على المركز الثاني والخمسين في قائمة أفضل 100 فيلم أمريكي.
[iii] بنى جون هودج فيلمًا على الرواية في وقتٍ لاحق، عام 200م.
[iv] رواية "جيمس ميراندا باري" أو "الطبيب"، تتناول شخصية السيدة مارغريت آن بولكلي التي قامت بالتنكر كفتى تحت اسم جيمس باري، والتحقت بكلية الطب في أدنبرة ثم الجيش البريطاني حيث التحقت بوظيفة جرّاح وخدمة في مناطق عدة تحت الاستعمار البريطاني. بعد وفاتها بدأ هذا السر بالانكشاف حتى أُثبت في مطلع القرن الواحد والعشرين أن جيمس لم يكن إلا ابنة أخت الرسام جيمس باري.
[v] تمرد بلدة مورانت باي، كانت البداية حين حُوكم رجل أسود وصدر أمر بسجنه لتعديه على مزرعة مهجورة، فاعترض رجال ول بوقل، معمّد مسيحي من السود وهو قائد التمرد، على الحكم غير العادل فاعتقلته الشرطة، اعترض آخرون  على ما يحدث واشتبكوا مع الشرطة. لاحقًا صدرت مذكرات اعتقال بحق بوقل والعديد من رجاله، واستمرت أعمال الشغب والاشتباكات بين السود والسلطات البريطانية، قُبض على بوقل خلال الاشتباكات وشُنق، وقتل خلال التمرد مئات السود.