السبت، 22 أغسطس 2015

"الجلوس؛ تدخين العصر الحديث."




(0)

يحلو لمشّاءةٍ مثلي أن تدوّن عن تأثير الجلوس –الخمول- لفترات طويلة على صحة الإنسان، على صعيد أمراض الجلوس أو التأثير على التوليميرات. مرّ بي أثناء تصفحي منذ أيام فيديو بتعليق: "الجلوس؛ تدخين العصر الحديث." وأضفته في رأسي إلى قائمة المشاهدة لاحقًا، مؤخرًا أصبحت أعتمد على ذاكرتي لأن منسوب نسياني قد ازداد، ووظائف الدماغ تضعف وتقوى بحسب استخدامها، وأريد أن أستعيد وظيفة التذكر خاصّتي. في وقتٍ مضى قرأت كثيرًا عن لدونة الدماغ وتغيّر حجم أجزاء معيّنة منه تبعًا لمدى استخدام الإنسان لوظائف هذا الجزء وبالتالي نشاطه، منها على سبيل المثال منطقة مسؤولة عن معرفة الاتجاهات تتمدّد بمجرد عمل الإنسان سائق أجرة لفترة لا بأس بها في، وبمجرد كفه عن هذا لعمل الذي يجعل هذا الجزء من الحصين في حالة نشاط دائم يعود لينكمش أو يتضاءل حجمه، أردت حينها التدوين عن هذا، وعن كل التجارب المتعلقة بلدونة الدماغ والمنشورة، لكن كما أفعل دائمًا: أتراجع!

حسنًا، لنعود إلى فيديو تيد التعليمي المتوفر على يوتيوب بترجمة عربية –هنا-، منذ أن "عرفت العِلم" وأنا أدرك أضرار الجلوس وقلّة الحركة، بالأصل لم يكن الجلوس مهيمنًا على نمط حياتنا في البيت، فأمي سيدة نشيطة كثيرة الحث على الحركة، كما أن لكل فرد منّا في البيت عمل موكل إليه، فالجميع داخل البيت في حالة نشاط صحيّة مُرضيّة، نذهب إلى مدارسنا ترجّلًا، نلعب ونتطارد–البقية، ليس أنا بالطبع، مع هذا كنت أتحرك بالقرب، أتابع لأخبر أمي بما يحدث، كنت أعمل شرطة سريّة لكن سريّتي مفضوحة ما دمت أدور بورقة وقلم رصاص وأكتب حتى لا يسقط شيء من الذاكرة-. في المدرسة، كان أكثر أمر وجّهته لي المدرسات بعد "ريوف! تبّعي معنا ولا تتجاوزين للصفحات التالية!"؛ أن أجلس. لا أحب الجلوس في الفصل، كنت أقف، ربما حسدت الطالبات المشاغبات وغير الجيدات دراسيًا لأنهن يمضين الحصص وقوفًا.

كل زميلات الدراسة، من المرحلة الابتدائيّة حتى تخرجت من البكالوريوس، وصديقاتي بالطبع يدركن كم أنا مشّاءة. فلم أكن أجلس إذا ما انقضى الدرس أو المحاضرة، أما في وقت الفسحة أو الراحة فكنت أفسد على مرافقتي فطورها وأستعجلها لنمشي قبل أن ينتهي الوقت. أذكر أن إحدى الزميلات في الكليّة كانت تقول بأنني مشروع تخفيف وزن، وأن من تريد أن تنجح في تخفيف وزنها عليها مرافقتي، لن تأكل براحتها وستمشي حتى الهلاك، لا فرق حتى إذا ما كان صيفًا أو شتاءً. كما أنني لم أُحسن المذاكرة جالسةً، لهذا كرهت المسائل في الرياضيّات والفيزياء والكيمياء، لا يمكنني أنا أطوف البيت وأنا أحل مسألة. طيّب، أحاول ألّا أكون مُشتّتة، لا أعرف كم من الأشهر قد مضى منذ آخر تدوينة، حيث لم أكتب شيئًا بعدها، لهذا أجدني مضطربة قليلًا وغير مسيطرة، من غير الجيد أن أخبركم بهذا، لكن ماذا أفعل بهذا الميل الغريب الذي يجعلني أُعلن بعض القصور؟ 


(1)

- 9% من الوفيات على مستوى العالم ناتجة عن الخمول.
- 77% من لاعبي نادي عاصمي سعودي، بحسب دراسة أجريت عام 2013م. يتسم نمط حياتهم بالخمول.
- الجلوس 8 ساعات يوميًا يعرض صحة الإنسان للخطر.
- ينتج عن الجلوس 35 نوعًا من الأمراض، كما يسبب الاكتئاب وتدنّي المزاج.
- ازداد الاقبال على طاولات الوقوف في الولايات المتّحدة الأمريكيّة خلال عام 2013م. بنسبة 50% في محاولة لتلافي أضرار الجلوس.
- معادلة نمط الحياة الصحي بحسب د/ محمد علي الأحمدي –أستاذ فسيولوجيا الجهد البدني-: 8 ساعات نوم + ساعة من الرياضة + 15 ساعة من السلوك النشط.
- ينصح البروفيسور آلان هدج –بروفيسور في التصميم والتحليل البيئي- أن تُتبع كل عشرين دقيقة جلوس بثمانية دقائق وقوف ودقيقتين "تمغّط" أو مشي.
- يؤدي الجلوس إلى تقصير طول التوليميرات؛ فيُعجّل هذا من شيخوخة خلايا الجسم.
- من أجل الحفاظ على العمود الفقري أثناء الجلوس، الانحناء بزاوية 135 درجة هو السليم لا باستقامة الزاوية 90. 


(2)

Philip Roth.
في فيديو تيد تم التطرق بشكلٍ مختصر إلى أضرار الجلوس، وهذا أمر مفروغ منه ولست هنا لأشير إليه، إنما لفت انتباهي أمر اعتقدت طويلًا أنه مجرد ميل أو طقس، رغم شعوري به لكن لم أعتقد أن الأمر بهذه الصورة. لا يمكنني أن أحصي مَن مِن المبدعات قد تطرقت في كتب أو مقالات إلى دور المشي في عمليتها الإبداعية، ولا من المبدعين، في مقال "اشرع في تحريك قدميك، حتى تنعش قدرتك الأدبيّة." لجويس كارول أوتس، -كنت قد ترجمته قبل سنتين تقريبًا ونُشر في آراء، لم يعد موجودًا في الشبكة، قد أنقّحه وأنشره مُجدّدًا في وقت لاحق-، تطرقت لعلاقة المشي بنتاجها الإبداعي، وكيف أن المشي يحل عقدة أمورها الكتابية، تحدّثت باقتضاب عن شيلي وثوروُ وديكنز ووايتمان وجيمس، غيرهم الكثير. ليس الميل للمشي بالأمر الغريب ولا الجديد، كان الجديد علي من خلال فيديو تيد أن السكون يفرق في تأثيره على وظائف الدماغ عن الحركة، كنت أعتقد أن أن تأثير الجلوس لا يمتد إلى وظائف الدماغ، "شغلة عظام ومفاصل وبدانة" فقط.
عند الجلوس، ننحني غالبًا إلى الأمام، هذا الإنحناء يسبب انكماش التجويف الصدري، مما يعني تقلّص المساحة المُتاح للرئتين التمدد فيها أثناء التنفس، فيحد هذا من دخول الأكسجين وبالتالي تدفقه إلى الجسم -مؤقتًا- طيلة فترة الجلوس هذه. وبالتالي فكمية الدم والأكسجين التي يحتاجها الدماغ للعمل تقل، مما يترتب عليه تراجع في أنشطة الدماغ. وكما يقولون في الفيديو، نجلس على الأغلب لنستخدم أدمغتنا، وهذا ما يحدث حينها. 


(3)

Tip Marugg.
 ليست المشكلة في الجلوس فقط، كما أن الوقوف ليس حلًا، عكس ما هو رائج، الرواج الذي يدعو إلى استخدام طاولات الوقوف مستندًا على حقيقة كون مجموعة من الأدباء اقتنوا طاولات الوقوف وأنجزوا عليها الأعمال، معهم الرائعة فيرجينيا وولف. بعد فيديو تيد التعليمي مررت بهذا الفيديو من تيد الرياض، بعنوان "الكرسي القاتل"، تطرق فيه المتحدث، د/ محمد علي الأحمدي إلى ضرورة استبدال نمط الحياة النشط بالخامل، استخدام مكاتب نشطة، استبدال طاولات الجلوس بطاولات الوقوف، اقترح معادلة لحياة أقل خمولًا وأقل فتكًا بالصّحة: 8 ساعات نوم + ساعة من الرياضة + 15 ساعة من السلوك النشط. أكملت البحث في الموضوع لأنني لم أقتنع بتقديم الوقوف في بعض المقالات بصفته حلًا في ذاته. مررت بهذه الحلقة من برنامج على راديو كي كيو إي دي، من المتحدثين فيها البروفيسور آلان هيدج د/جيمس ليفين، تتناول الجلوس، الوقوف والحلول المطروحة لتحقيق نمط صحي متوازن. ذكروا أن الوقوف لساعات طويلة له أضراره أيضًا، كما أن الناس تنحني على الطاولات بمجرد التعب أو الانهماك في العمل مما يؤدي إلى أضرار أخرى على الرقبة والكتف والذراعين، إنما الفكرة في أن الوقوف يتيح للإنسان مزيدًا من حرية وسهولة تغيير وضعيّته، بحيث يتيح له فرص الحركة والدروان في الغرفة أكثر ممّا لو كان جالسًا. على كل حال فالوقوف الساكن حتى يحرق سعرات حراريّة أكثر من الجلوس. أكد الاثنان أن المفتاح في الحركة وتقليص فترات الجلوس.

 تُطرح كرات التمارين بدائل للكراسي، الأمر الذي أكّد المختصون كونه صحيًا للجزء السفلي من الجسم فقط، ضارًا للعلوي حيث لا يوفّر دعمًا للظهر والرقبة والذراعين، وبالتالي فهو خيار غير مناسب. يمكننا تخفيف الأضرار باختيار كرسي بوضعية ميلان 135 درجة، ظهره فيه جزء يسمح بالتهوية، بمسندين للذراعين ومسند للرقبة، أن نحافظ على الانحناءات الثلاثة للعمود الفقري أثناء جلوسنا عليه، أن نحرص على ألّا تكون الركبتين في مستوى منخفض عن الفخذين، بوضع شيء أسفل القدمين يحقق لنا هذا، أن تُتبع كل عشرين دقيقة جلوس بثمانية دقائق وقوف ودقيقتين "تمغّط" أو مشي. ومن أجل نمط حياة أكثر نشاطًا، نستبدل السلالم والمصاعد الكهربائيّة بالدرج أو السلالم العاديّة، نقضي المشاوير القريبة مشيًا، نترجّل من السيارة على مبعدة من باب المبنى، نقوم بالأعمال المنزليّة ونخفف الاعتماد على المغاسل والكوايين وما شابه، كما أتمنى، بما أننا في بداية عام دراسي، أن تطرح المعلمات، والمعلمون أيضًا، الوقوف بصفته علاجًا لا عقابًا، وتُلحق كل عشرين دقيقة من الحصّة بوقوف يتبعه حركة، أخذًا بنصيحة البروفيسور آلان هيدج.







(4)

Rita Dove.
مقابل كل ساعة جلوس يخسر الإنسان ساعتين من حياته، بحسبما تنقله لوس آنجلوس تايمز عن جيمس ليفين مؤلف كتاب: "انهض! لماذا يقتلك مقعدك؟" لا أعرف كيف توصّل إلى هذه الخلاصة، لكن قرأت في إحدى مراجعات الكتاب –وهو غير مترجم إلى العربيّة- أنه فصّل في مسائل التجارب العلميّة المتّصلة بالموضوع. في نفس السياق، قرأت في نيويورك تايمز هذا المقال الذي أوردوا فيه تجربة قام بها علماء في السويد على مجموعة من النساء البدينات والرجال البدينين، في الثامنة والستين من عمرهم. في البدء سحبوا عينات من الدم لقياس طول التوليميرات؛ نهايات الدي إن إيه ذات العلاقة بشيخوخة الخلايا، ثم قسموا المجموعة إلى مجموعتين، مجموعة تجريبية طُلب منها أن تقوم بتمارين معتدلة وفقل نظام مُعطى وتقلل من فترات جلوسها لتحسين صحتها، ومجموعة ضابطة لم تعطى جدول مُحدّد إنما أن تستمر في نمط حياتها السابق مع محاولة تحسين صحتها وخسارة بعض الوزن. بعد ستة أشهر، سُحبت عينات دم من المجموعتين لقياس طول التوليميرات، كانت توليمرات المجموعة التجريبيّة أطول مما كانت عليه قبل ستة أشهر، أي أن الخلايا صارت أكثر شبابًا، بينما قصرت توليميرات المجموعة الضابطة عمّا كانت عليه قبل ستة أشهر، أي أنها كبرت. ليس السر في التمارين، كما يوضّح العلماء، أنما في تقليل فترات الجلوس، حيث أن المجموعة التي تمرنت وقلّصت فترات جلوسها -من المجموعة التجريبيّة- كانت تولميراتها أطول ممّن تمرّنت ولم تقلص فترات جلوسها بدرجة المجموعة الأولى إنما أقل. تقليص فترات الجلوس يلعب الدور الأكبر في شباب الخلايا بينما للرياضة بعض التأثير البسيط. كما خلصت دراسات أخرى إلى أن ساعة رياضة يوميّة لا يمكنها أن تعالج أضرار الجلوس أو الخمول المفرط. وحُدِّدت فترة الجلوس المفرط بثمان ساعات يوميًا في عدة دراسات بينما مر بي أثناء القراءة أن أكثر من ثلاث ساعات يعتبر من الجلوس المفرط.


(5)

Ernest Hemingway.
ليوناردو دافنشي، فيرجينيا وولف، فيرناندو بيسوا، إرنست هيمنغواي، فيليب روث، وتشارلز ديكنز، استخدموا طاولات الوقوف. وكما يفترض د/ جيمس ليفين، أنهم لم يقفوا أوقاتًا طويلة من أجل الكتابة، ولم يركنوا إلى الطاولة، تحرّكوا وقطعوا الغرفة مشيًا كما كانوا يستريحون جلوسًا بعد فترة من الوقوف، وكذلك فعلت فيرجينيا. أعتقد أن السبب كما ذُكر في فيديو تيد، أن الدماغ لا يعمل بشكل جيّد أثناء الجلوس، وأنهم بالتأكيد شعروا بهذا فاتخذوا هذا النوع من الطاولات.

(6)

كل هذا التشتت يحدث عندما لا أدوّن لفترة طويلة، ولا أفعل أي نشاط ذهني مُعتبر أصلًا. فكّرت بتأجيل التدوين لحين مزاج مناسب لأفصّل أكثر فيما قرأت، ولأقرأ أكثر، حتى تكون بالشمول الذي سأحب أن تكون عليه، لكنني خشيت أن يكون تراجعًا لا تأجيلًا، ولأنني أضيق بالأشياء المؤجلة. لولا أن مساحة تويتر الضيقة لن تسمح إلا بالقليل، وإلا لكنت قد اكتفيت بالكتابة في تويتر، عن هالزحمة والسوالف الكثيرة. أخيرًا، هنا تمبلر يهتم بجمع صور الكاتبات والكتّاب أثناء الكتابة، وهو مصدر الصور أعلاه.