مررت بسؤال يقول لو استطعتِ تغيير مهنتكِ الحالية، ماذا ستختارين؟
.Marie) Rie Cramer ) |
.Susan B. Anthony |
.Nikos Kanarelis |
جلست أفكر فلم أجدني راغبة في مهنة أخرى. ربّما أنني وُلدتُ لأكون معلّمة. أتذكّر في سن ما قبل المدرسة، حين كانت أمي تعلّمني على الحروف الهجائية في البيت، كنت بدوري أغري أخي الأصغر مني بحصّتي من الحلوى والبطاطس إذا قبل أن يلعب معي لعبة «الأبلة». لمّا كان جانب المتعة غائبًا عن شريك اللعبة فكنت مضطرة لهذه الاغراءات، فلعبتي لا تمتّع غيري حين أقف بقطعة جبس بيضاء تتفتّت من أطراف باب السطح الحديدي، أمام الباب المغلق ليكون سبّورة وخلف صندوق التفاح الكبير المصنوع من الكرتون ليكون طاولة الأستاذة فيما يجلس الطالب على عتبات الدرج خلف صندوق كرتوني متوسط الحجم متظاهرًا في معظم الوقت بالانصات لما ألقي من معلومات. كبرت والتحقت بالمدرسة فتوسّعت دائرة اللعبة وصرت أُجلس أختي الأكبر أيضًا، وأحيانًا أخي الأكبر والأصغر إذا كانت حصّتي من تلك «المفرّحات» كافية للثلاثة، خلف الصندوق المتوسط، فلدي الآن ما يليق تدريسه بعالم الكبار! وما زال الاغراء بالحلويّات والبطاطس قائمًا للعلّة ذاتها. نغيّر الجو أحيانًا وننقل الصف في حوش المنزل الخلفي، هناك الجدار الأبيض المائل للصفرة سبّورتي والفحم طباشيري. وقد بقيت معي هذه العادة فصرت أخرج طالباتي في الأجواء الجميلة إلى ساحة المدرسة وندرس هناك على لوح فليني بغطاء بلاستيكي يقبل المسح أو سبّورة صغيرة متنقّلة. كان التفاعل شرطًا في لعبتي! أن ينصتوا وحسب ليس مرادي، أردت أن يستوضحوا ويجيبوا أسئلتي أثناء الدرس. كبرت أكثر وصرت أخجل من اللعب، لهذا أبقيت أمر استمرار لعبتي هذه سرًا، ورحت أواصل لعبها بمفردي خلف البيت، صار هدف اللعبة أن أشرح، ولا يهم إن استمع لي أحدٌ أم لا. في المدرسة كانت بعض المعلمات يتحن للطالبات شرح جزئيات من الدروس وكنت أحظى بالكثير من هذه الفرص التي تشبه لعبتي المفضلة. في المرحلة المتوسّطة بدأت بدراسة مادة مشوّقة: اللغة الإنجليزيّة، فمارست هوايتي بشكل أكثر جديّة مع أختي الصغرى وبدأت تدريسها اللغة الإنجليزيّة، هذه المرة لم أقدم مقابلًا، فقد كانت أختي الصغرى أشد حماسًا منّي في تلك اللعبة، خاصةً بوجود موقع Starfall الذي كنا نتصفحه ونلهو به معًا.في الكليّة لاحقًا كان أحد الأساتذة الأفاضل يوكل لي شرح بعض الجزئيات إذا ما استفسرت منه الطالبات، يسألني هل أفهم ما يتحدثن عنه، فأجيبه دائمًا بنعم، كنت لا أدع شاردة ولا واردة دون أن أسعى لألم بها ما أمكن، ولما كنت أجيب بنعم يقول فاخبريني ما تعرفين، وحين أنتهي ويجد أن ما قلته صائبًا وكافيًا يحيلهن إلي بعد المحاضرة. تتوجه بعض الزميلات إليّ مباشرة في بعض الأحيان، حتى من لست على وفاق معهن. أذكر في أحد المرات رأيت إحدى هؤلاء، على غير العادة ألقت علي التحية وابتسمت وذهبت، وبعد دقائق جاءت لتقول أنها صادفت شيئًا لم تفهمه وتريد منّي شرحه لها قبل الاختبار الذي سيبدأ بعد قليل. فكّرت سريعًا حينها بأنها قد تصرفت معي سابقًا بقلة تهذيب، وجاء الوقت لأريها عواقب قلة تهذيبها كيف يمكن أن تكون، لكنني لم أقدر على هذا التصرف، لا أقدر على حجب المعرفة بهذا الشكل، تركت رغبتي الانتقاميّة وقلت لأنفّذها لاحقًا بنزاهة أكثر، الآن هيّا لأشرح لها قبل أن ينفد الوقت!
.Carolus et Maria by Marjorie J. Fay |
تخرّجت من الكليّة وأنا لا أطمع في التدريس. تعاقدت للتدريس فيها بعد ذلك، وانتهى عقدي وأنا أفكّر بأنني لا أريد التدريس، تقدّمت للوظائف التعليميّة رغبة في الوظيفة ولم أكن أعرف وقتها أنني خلقت لأكون معلمة. لا أذكر بالتحديد متى أبصرت هذه الحقيقة، يخطر لي مواقف عديدة، لكنني هنا اليوم، لا أريد مهنة أخرى، وممتنّة لمهنتي، إن كنت سأستخدم يومًا عبارة «أجد نفسي في ...» فحتمًا في التعليم، أمام السبّورة، وسط طالباتي. تشرحني قليلًا المعلمة هدى حداد وهي تعبر عن انتمائها لمهنتها و محبّتها لطلَبَتها فتقول:
«شو بعملّن إذا بحبّن وهنِّ بيحبّوني كتير،
… مش رح اتركهن لحالن، بدّي ساعدهن عَـطول،
شو ما قالوا عنّن أهلن، أنا اللي بحكي وبقول،
ما فينا نعلّم بالغيرة، ما فينا نربّي بالحقد،
ما في محبّة بالغيرة، المحبّة تعطي وما تقول.»