الخميس، 8 مايو 2014

ألوان: الشريطة الصفراء.



صورة من الإنترنت.







(1)

مررت قبل فترة طويلة بعنوان "اعقدي شريطة صفراء حول شجرة البلوط القديمة – Tie a yellow ribbon round the ole oak tree" آداء: توني أورلاندو وداون، كلمات: لاري رسل براون وإيروين ليفين. وتساءلت عن تحديد لون الشريطة بالأصفر، الأمر الغريب. تتحدّث الكلمات عن سجين قد أتمّ مدة حكمه وهو عائد إلى زوجته أو حبيبته، قال لها في رسالة أن تعقد شريطة صفراء حول شجرة بلوط عتيقة سيمّر بها الباص إذا كانت تُرحّب بعودته بعد هذه السنوات الثلاث التي سُجن فيها، في الباص يخبر السائق ويطلب منه أن يتطلّع إلى الشجرة، فهو لا يحتمل أن يرى ما عليه رؤيته، قائلًا: "إنني حقًا باقٍ في السجن، وحبيبتي تملك المفتاح، شريطة صفراء بسيطة هي ما أحتاج لأصير حرًا." ويختم بأن كل من في الباص ابتهج، لرؤية مئة شريطة صفراء معقودة على الشجرة . قادني هذا لأبحث أولًا في دلالات اللون الأصفر، ولما كنت قد مررت بالعديد من صور الشرائط الصفراء على الأشجار رحت أبحث عن الشرائط الصفراء بشكلٍ أدق، وعن الشرائط الصفراء والأشجار، ووجدت أن لها قصّةً يروق لي أن أدوّن عنها. الفقرة التالية مترجمة بتصرّف عن مقالة موجودة في موقع مركز الفلكلور الأمريكي، كانت قد نُشرت إبّان حرب الخليج الأولى، كإعادة نشر مع التعديل لمقالة سابقة نُشرت وقت احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1979م.





(2)

في العقد الماضي لم تحظ أي أشكال التعبيرات باهتمام شعبي كما "الشرائط الصفراء" وتاريخها ودلالتها. حيث استقبلت مكتبة الكونجرس عاصفة استفسارات حول الشرائط الصفراء المعقودة في كل مكان لدعم الرهائن في إيران، خاصة من الصحافة التي شغلها السؤال: "كيف وُجِد هذا الرمز؟" أتصل العديد بمكتبة الكونجرس يحملون آراء وانطباعات حول الموضوع، البعض قال أنه التقى بكتّاب أغاني شعبية شائعة قد تناولت الموضوع، آخرون تحدّثوا إلى زوجات الرهائن وغيرهم إلى مؤرخي الحرب الأهلية الأمريكية التي كان أمر ارتباطها بالرمز مطروحًا. وكان السؤال الأهم: إذا كان تقليد عقد الشرائط الصفراء تعبيرًا عن انتظار غائب غالي تقليدًا أمريكيًا أصيلًا أم لا. يُذكر أن الأمر بدأ كاستفسار حول ارتباط هذا التقليد بالحرب الأهلية ثم تحوّل إلى تأكيد هذا الارتباط. إذ يعتمد هذا الادعاء على قصيدة :"ارتدت حول عنقها شريطة صفراء." المكتوبة عام 1917م. بواسطة جورج نورتون، وانتشرت كأغنية للجيش الأمريكي، وأنها الأساس. لكن التقليد أقدم من هذا بكثير إذ ظهر في الحقبة الإليزابيثية، كما في مسرحية عُطيل لشكسبير ظهرت كلمات تُعد سلفًا لهذه الأغنية. على امتداد 4 قرون مضت كانت إصدارات مشابهة لهذه الأغنية قد شاعت ولا عجب أن تكون قد غُنِّيت خلال الحرب الأهلية الأمريكية. الرابط بين هذه الأغنية والحرب الأهلية أنها لاحقًا استُخدمت في فيلم أُنتج عام 1949م. يحمل عنوان الأغنية ويتناول فترة ما بعد الحرب الأهلية الأمريكية، وهو مصدر الربط الوحيد والذي يبدو ضعيفًا.

إذا كان تقليد الشرائط الصفراء ليس ناتجًا عن الحرب الأهليّة الأمريكيّة، فمن أين قد جاء؟ يمكننا القول أنه لم يبدأ كتقليد ولا كأغنية ولا أي شيء من هذا القبيل. إنمّا بدأ كحكاية أو أسطورة شعبيّة. وأقدم إشارة وصلت إليها تتناول هذا كانت القصة التالية في كتاب عن السجون لكورتيس بوك نُشر عام 1959م. ممّا يعني أنها شاعت في الثقافة الشفهية منتصف الخمسينات، القصة التي ذكر أن أحد مشرفي السجون كان قد أخبره بها:

إنها قصة رجلين في قطار، أحدهما كان قد أتم حكم السجن لخمس سنوات في سجن بعيد، وله عائلة فقيرة بحيث لا يمكنهم زيارته وليسوا متعلمين أبدًا بحيث يمكنهم التعبير عمّا بداخلهم على الورق فيبعثون الرسائل له، ولم يعد يدري إن كانت عودته مُرحّب بها أم لا، وليس يعرف طريقة قد يتمكنون من إخباره بذلك، غير أن يكتب لهم أن يعقدوا شريطة بيضاء على شجرة التفاح الكبيرة القريبة من مسار سكة الحديد لينزل من القطار إذا أرادوه، وإن لم يريدوه فليس عليهم أن يعقدوا شيئًا وسيكمل مع القطار إلى مكان آخر يبدأ فيه حياةً جديدة. قال لرفيقه أنهما على مقربة من البلدة، وأخبره بصفة الشجرة لينظر إليها بدلًا منه إذ لا يقوى على النظر، تبادلا الأمكنة وصار رفيق الرجل بجانب النافذة يتطّلع. خلال دقيقة وضع الرفيق يده على ذراع الرجل وقال: "ها هي –قاصدًا شجرة التفاح-  وصاح؛ الأمور مُطمئِنة، الشجرة تبيَضّ بالشرائط!"

خلال الستينيات انتقلت حكاية السجين العائد إلى المنشورات الدينية وشاعت خلال الشباب والمجاميع الكنسيّة وأصبحت تشابه إلى حدٍ ما "عظة الابن الضال" في العهد الجديد.

في تشرين الأول من عام 1971م. كتب . هاميل لنيويورك بوست نص "العودة للوطن." تتناول ذات القصة للسجين العائد إلا أن الشريطة صارت منديلًا، قائلًا أنه سمع القصة من التراث الشعبي الشفهي. لاحقًا، حين سُجلت أغنية: " اعقدي شريطة صفراء حول شجرة البلوط القديمة" والتي قال مؤلفاها بأنهما سمعها أثناء خدمتهم في الجيش رفع ضدهم هاميل دعوى تعدّي، بعد أن حقّقت مبيعات خياليّة، إذ بيع منها ثلاث ملايين نسخة. الدعوى التي سحبها لاحقًا بعد أن وقف الفلكلوريون في صف براون وليفين، وقالوا أن القصة أقدم بكثير وأن وجودها يسبق ما كتبه هاميل لنيويورك بوست.

في كانون الثاني من عام 1975م. قامت زوجة ماغرودر المتورط في الفضيحة الأشهر في تاريخ السياسة الأمريكية "فضيحة ووترغيت" بتزيين رواق بيتها بشرائط صفراء في استقبال زوجها العائد من السجن، تم تصوير الحدث وبثّه في أخبار المساء على التلفزيون. وبهذا، تحوّلت الحكاية الشعبيّة إلى أغنية، ومن أغنية صارت طقسًا. تنطبق أغنية "اعقدي شريطة صفراء حول شجرة البلوط القديمة." مع وضع الزوجين، سجين ومنتظرة وشرائط صفراء. التطوّر الذي أحدثته زوجة ماغرودر أن حوّلت الأغنية الأسطورة إلى حدث واقعي، وكان هذا بداية تحوّلها إلى طقس أو تقليد.

كانت الخطوة الكبرى في تحويل الطقس من انتظار وقبول "ابن ضال" إلى انتظار بطل قد أُسِر أو بطل يُقاتل في مكان بعيد من نصيب زوجة الدبلوماسي بروس لاينغن، أحد رهائن السفارة الأمريكيّة في طهران – 1979م. التي اقترحت عبر مقال في واشنطن بوست كان يطرح أمورًا للتخفيف من التوتر الشعبي بسبب الأزمة، أن يعقد الناس الشرائط الصفراء، قالت: "حسنًا، أقف وأنتظر وأصلي، وفي يومٍ من الأيام سيحل بروس هذه الشريطة الصفراء، ستظل هنا حتى يحلّها بنفسه." ويبدو أن هذا أو إعلان عن اعتبارها انتظارًا للأبطال الغائبين. خلال الأزمة أنشئت جمعيّة لدهم أسر الرهائن، اتّخذت من الشريطة الصفراء شعارًا لها، وقامت بتوزيع آلاف الدبابيس بشرائط صفراء على الطلاب ومذيعي النشرات الجويّة ليعلنوا دعمهم.

الذي جعل من الشرائط الصفراء رمزًا صامدًا ليس العراقة ولا العلاقة بالحرب الأهليّة الأمريكيّة، إنما قدرته على استيعاب الجديد من المعاني، مناسبته الاحتياجات الجديدة، بشكلٍ مختصر: قدرته على التطوّر. 

الزوجان لاينغن.




(3)

قال براون وليفين أنهما أّلفا الأغنية أول مرة كما سمعا القصة الأصل، وكان لون الشريطة بيضاء، لحنّاها وسجّلاها ولم تعجبهما فتخلّصوا منها. بعد أسابيع أعادوا كتابة الكلمات، مستخدمين اللون الأصفر لاعتقادهما أنه لون "موسيقي ورومانسي." ولأنه جاء ملائمًا للّحن، وهكذا خرجت الأغنية "اعقدي شريطة صفراء حول شجرة البلوط القديمة." وأدّاها توني أورلاندو وداون. لكن غالب الظن أن اختيار اللون الأصفر كان اقتباسًا من الأغنية الأقدم التي كتبها جورج نورتون "ارتدت حول عنقها شريطة صفراء.". بينلوبي لاينغن زوجة الدبلوماسي الأمريكي بروس لاينغن قالت أنها استلهمت انتظار زوجها بالشريطة الصفراء من أغنية توني أورلاندو وداون. لاحقًا كتب زوجها كتابًا عن أوقاته التي أمضاها أثناء أزمة الرهائن تحت عنوان: "شريطة صفراء." مستلهمًا العنوان من شريطة زوجته، والتي تبرّعا بها عام 1991م. لمكتبة الكونجرس. ويبدو إسناد التقليد إلى استخدام البروتستانيّون للمناديل والشارات الصفراء في بريطانيا وحمل الإنجليز له إلى أمريكا ضعيفًا. 

الصين - 2009م.




(4)

أسر أفراد الجيش الأمريكي المعتدي، عقدوا الشرائط حين غادر الجيش ليخوض الحرب في أفغانستان ثم في العراق. وكما قيل عن قابلية الرمز حمل معانٍ جديدة، عُقدت أيضًا على سياج في إحدى البلدات في ولاية أريزونا الأمريكيّة شرائط صفراء تحمل أسماء أفراد الجند الأمريكي ممّن قضى نحبه في العراق. عقدت الشرائط أيضًا في الصين، في أيار من عام 2009م. من أجل ذكرى ضحايا زلزال سيتشوان الذي وقع 2008م. حيث عُقدت الشرائط الصفراء في محطات الباص وعلى الأشجار والأسوار.


 
الرئيس الأستوني توماس إيلفس مظهرًا الدعم لرهائن بلاده في لبنان.


(5)

في الثالث عشر من آذار 2011م.، كتب الرئيس الأستوني توماس إيلفس على صفحته في فيسبوك: "عائلات الرهائن الأستونيين في لبنان يحتاجون دعمنا كله، لا الفضول التطفلي؛ إنمّا الدعم الهادئ الصادق الذي يقول: همّكم همّنا، نحن نأمل ونؤمن معًا. اليوم، أضع شريطة صفراء على سترتي لأُظهر هذا الدعم.". ارتدى الناس الشرائط الصفراء، كما صُمّم تطبيق للفيسبوك خاص بوضع شريطة صفراء على صورة الملف الشخصي. بحلول تموز من العام نفسه، حُرّر الرهائن وبلغ عدد من وضع الشريطة الصفراء بواسطة تطبيق الشرائط الصفراء لفيسبوك 12.671 شخصًا.



(6)

في سنغافورة، استُخدمت الشرائط الصفراء ضمن مشروع الشريطة الصفراء الذي بدأ عام 2010م. لمساعدة وتأهيل السجناء السابقين وتعزيز حصولهم على فرص جديدة وتسهيل انخراطهم في المجتمع. يعقد المشروع حملة سنويّة خلال شهر أيلول وعلى من يدعم أهدافه أن يضع على قميصه دبّوسًا بشريطة صفراء، وفي هذا عود لمعنى مبكّر: قبول الابن الضال.
 



مراجع، ومن أجل قراءة المزيد حول الموضوع:

 Yellow Ribbon Fence