الخميس، 5 يناير 2017

"بنستين" وصباحات تبدأ بالعجلة والانتظار.


Soosh.

(0)

منذ أيّام وأنا أرغب العودة إلى المدوّنة، وفي بالي العديد من الأشياء التي يخطر لي الكتابة عنها، لكنني أمضيت قرابة الساعة الآن وأنا أُطالع نافذة معالج النصوص الفارغة. وعليه قرّرت أن "أسولف" حتى تنحل عقدة لساني. : )


(1)
انتقلنا في محرّم/ تشرين الأول الماضي إلى منزلٍ جديد، بسرعة لم أتوقّعها أحسست به بيتنا منذ زمن، حتى أنني شعرت ببعض الغربة في زياراتي –التي أعقبت انتقالنا- لبيتنا الأول. كنت أسير فيه كما لو أنني سرت ألاف المرات، أحس بأننا قضينا فيه عمرًا، وهكذا أحس أفراد العائلة. 

حسنًا، لستُ بالفتاة المولعة بالترتيب، وربّما لا تصدق الناس التي ترى اهتمامي بوضع علامات الترقيم في مواضعها أنني لا أضع ملابسي في الخزانة إلا مرغمة، فإنها من الكرسي والطاولة إلى سطح الخزانة –لا داخلها-، إليّ، إلى سلة الغسيل ثم الغسّالة فالنشّارة التي لا أرفعها عنها حتى يحتاجها أحد بعدي –دائمًا تكون مطلوبة للخدمة بعد نشر ملابسي عليها ببضع ساعات-، إلى سلة الملابس أيضًا التي لا أفرّغها حتى تُطلب منّي عدّة مرات –أحيانًا أجد أن ملابسي قد رُميت من السلة علي وأنا نائمة-، ثم إلى الكرسي والطاولة ...إلخ. كما أنني لم أرتّب مرقدي عند الاستيقاظ منذ آخر مرة توسّدت فيها فراشًا ورقدت على الأرض، أي منذ سنوات حين استبدلنا الأسرة بالفرش التي نطويها ونرفعها على طاولة في زاوية الحجرة.

أما عندما انتقلنا إلى بيتنا الجديد، فقد رتّبت سريري في كل يوم، مسّدت الوسادة وقلبتها، بل إن ترتيب سريري كان غالبًا أول ما أفعل حينما أستيقظ. ملابسي لم تغادر الخزانة، بل أن القطعة منها لم تتعد إلى درفة القطع التي لا تشبهها! صنّفتها بحسب النوع واللون أيضًا، واحتفظت بترتيبها. لم تعد دبابيس شعري –سأقول عنها شيئًا أيضًا- منثورةً في كل مكان، بل إنّها تمكث في فنجان جدّتي بجانب سريري، أسحبها من شعري آخر النهار لتبات فيه، دبابيس شعر قليلة، لم أفقدها بالسرعة المعهودة –سافرت ولم يتبق منها غير واحدة على ما أذكر-. لم تعد أوراقي في كل الأطراف، شغلت القليل منها وهذا أيضًا تقدّم في مضمار الترتيب. أما كتبي فلا أذكر أنني تصفّحت منها الكثير حتى يفسد ترتيبها في الرفوف وتتكاثر على جنبات السرير. أنا التي لا تشرب الماء كثيرًا، صرت أشرب أكثر من قبل. أدركت أنني اكتسبت بعض العادات الجديدة، بعضها مما حاولت في السابق التعوّد عليه -مثل الترتيب وشرب الماء- لكنني لم أنجح. فخطر لي أن لهذا علاقة بالانتقال من البيت الأول، أعني أن تغيير السكن يساعد الإنسان في تكوين عادات جديدة وترك عادات سابقة. بقي الموضوع في ذهني لأيّام وأنا أودّ القراءة عنه لكنني انشغلت ثم نسيته وذكرته البارحة. بحثت سريعُا فوجدت أن هذا الأمر حقيقة؛ تغيير السكن والمرور بتحوّلات في الحياة –مهنيّة أو اجتماعيّة مثلًا- يساعد الإنسان على تكوين عادات جديدة وترك أو خسارة عادات سابقة، وبهذا ففترة الانتقال والتحوّلات هي الفرصة الذهبية. بحسب البرفسورة ويندي وود، المهتمة بكيفية تكوين العادات أو تغييرها وتأثير المحيط على العادات، فأن اكتساب العادات أسهل عند الانتقال من المسكن أو عند معايشة بعض النقلات أو التحوّلات في الحياة. هنا لقاء تطرّقت فيه إلى هذا. لم أقرأ كثيرًا في الموضوع، اكتفيت بهذا اللقاء.


(2)

أحب معرفة الخرافات، ذلك الجزء الجذّاب من موروثنا الشعبي، أعني التي تحاول تفسير الظواهر أو ربط بعض الأحداث بأخرى يفترض أنها تنتج عنها، مثلًا خرافة تغيير حجرة الفتاة، تقول الخرافة أن تغيير أثاث حجرة الفتاة، أو استقلالها في حجرة تخصها دون أخواتها إشارة على أنها ستتزوّج قريبًا. عندما انتقلنا إلى بيتنا الجديد مازحتني صديقة بأنني لن أتهنّى بحجرتي التي أثثتها برواق، لأنني سأغادرها وفقًا لهذه الخرافة قريبًا! وكان هذا أكثر تعليق تردّد، عليّ وعلى أختي التي تكبرني، لن تبقين في حجراتكن هذه. أحببت ما حدث بعد ذلك، إذ حصلت خلال شهرين من انتقالنا على عمل في مدينة بعيدة، فغادرت أنا وأختي بيتنا، لا حجراتنا وحسب، أحببته ليس لأنني حصلت أخيرًا على عمل، فقط، بل لأنني أحب حدوث الأشياء الغريبة، وتقليد الخرافات –إن لم أقل تجسيد-. أظن أن الخرافة بحاجة إلى تعديل طفيف، أعزو الشكل الذي هي عليه الآن إلى انعدام تعدّديّة الأسباب التي تغادر فيها الفتيات حجراتهن سابقًا، لم يكنّ يغادرن إلا في زواج، فحصل هذا اللبس ورُبطت بالزواج لا المغادرة، لكن الأصل أنها تغادر، مهما يكن سبيل المغادرة، الخرافة يجب أن تقول بأن تغيير الأثاث أو الاستقلال في حجرة يؤدي إلى مغادرتها.


(3)

كنت أودّ الحديث عن عدّة أشياء، لأول مرة أشعر بأنني مملوءة بالحكايات، ربّما لأنني لم أدلق كل الحكايات، واحدة .. واحدة، في آذان كل فرد من أفراد عائلتي على حدة، لكن معالج النصوص يخبرني بأنني تجاوزت السبع مائة مفردة في هذه التدوينة، أليست طويلة على "سوالف"؟ لكن بقي ثلاثة أشياء أود أن أضيفها، اقتباس عن المنبه، أهميّة استقطاع وقت هادئ ورائق صباحًا، وبقائي بدبّوسي شعر فقط لشهر ويزيد، حيث لم يتلقف ثقب أسود دبابيس شعري، ولم تسرقها الجن، صحيح أن الخرافة تقول تسرق الجن الذهب والفضّة، لكن هذا في السابق، قبل أن تعرف دبابيس الشعر بالتأكيد، وإلا أين تختفي؟ كنت أيام الدراسة أبتاع علبة دبابيس شعر بداية كل فصل دراسي لأنني أفقدها بالتدريج حتى أجد علبتها فارغة تمامًا. لا تظل طويلًا، أما هذه المرة فإنها معجزة! "بنستين" أعيش عليها كل هذه الفترة ولا تُفقد!


(4)


'فى هذه البلدة لا يُقدّر الناس الصباحات، فهم يصحون فجأة على جرس منبه يقطع نومهم مثل ضربة فأس، ثم يدفعون بأنفسهم فجأة في نشاط صاخب كئيب، قل لي كيف يمكن ليوم لطيف أن يبدأ بمثل هذه الوتيرة العنيفة الخرقاء؟
ماذا يحدث للناس الذين يبدأون الحياة كل صباح بصدمة ازعاج صغيرة بشكل ملائم يسمّونه جرس منبه؟ فى كل يوم يصيرون أشد تكييفًا مع العنف ومعتادين بصورة أقل على البهجة. صدقني أن مصير شخصيات الخلق يتحدد بصباحاتهم.' – فالس الوداع، ميلان كونديرا.


Soosh.
منذ أن بدأت العمل وأنا أستيقظ فجر كل يوم على منبّه بغيض، استيقظت في اثنين وثلاثين يوم على هذا المنبه، كرهته كثيرًا، أشارك أختي الرغبة في تحطيم المنبّه، لكنني مضطرة إليه، أو هكذا ظننت. انتهت بطاريّة الساعة، ولم أبتع بعد واحدةً جديدة، وأظنني لن أفعل، أكملت على منبّه الجوّال وهو أهدأ منها كثيرًا، فتلك تشدّ أعصابي وتجعلني متوتّرة بشكلٍ يمكن تجنّبه، ألا يكفي أن علي الركض حتى لا أتأخر على السائق الذي يتأخر كثيرًا –وأتأخر قليلًا-؟ حد تناول الخبز فطورًا دون دهنه بأي شيء، من العجلة، وأن علي أن أطوف معه المدينة وننتظر عند بيوت الزميلات قرابة الساعة وتزيد أحيانًا؟ رغم أن مقر العمل لا يبعد أكثر من ثلاثين كيلومتر عن مقر سكني إلا أننا نمضي قرابة الساعتين أحيانًا في طريق الذهاب. ألا يكفي أن كل صباحاتي تبدأ بهذه العجلة والانتظار وعدم الراحة مع المواصلات التي تكلّفني 11% من دخلي، من أجل مشوار العمل وحده، لأن حق حريّة التنقل محجوب ولعدم وجود بدائل جيّدة؟ لم أتكيّف في بداية الأيام، وكنت أستاء من الوضع كثيرًا قبل أن أضع روتينًا صباحيًا أنفّذه في السيّارة.  : )


(5)

كنت قد قرأت قبل فترة هذه المقالة عن أهميّة الروتين الصباحي، حتى وإن خُصّص له نصف ساعة، وكيف أنه مثل صخرةٍ ثابتة في نهر مضطرب، يمنح شعورًا بالخير وأن الأيام تسير كالمعتاد حتى حين تسوء فيها الأعمال أو تتعثّر، وكأنه بهذا يمنح الإنسان أرضًا ثابتة يقف عليها، يمنحه ما قد يتشبّث به. كما يقلل الشعور بتأنيب الضمير على تضييع الوقت والأيام، ويمنح دفعة للاستمرار والتقدّم، بحسب المقالة.  لهذا، فكّرت بروتين أنفّذه في السيّارة، لأحاصر كل ما يمكنه تعكير يومي بدلًا من محاصرته لي، من تأخير ولف ومسافة تزعجني أسباب طولها، فصرت أقرأ في السيارة مقالات، أو كتاب على الجوّال، أستكشف أغانٍ على ساوندكلاود، أتأمل قليلًا، أتصفّح تطبيقات الصور، وأخطط لما سأفعله بقيّة اليوم، وأستحضر المهام التي علي أن أتمّها. يقترح كاتب المقالة أن تبدأ بفطور صحي، تلحقه بقراءة كتاب أو مقالة، ثم تمارين، يليها التأمل واستعراض خططك ومراجعتها، ثم التدوين والتخطيط لليوم، يوجد المزيد من التفاصيل لكل واحدة من هذه مع فوائد ومقترحات في المقالة. حقًا تخفّفت من بعض الغضب والضغط الذي يثقلني منذ أن بدأت به.


(6)
Soosh.

لي سنين طويلة مع الكوابيس، لم ينتظم نومي من قبل مثله الآن –هل اكتسبت عادة النوم مبكرًا لأنني انتقلت أيضًا إلى مسكن جديد؟ بعد باقة عادات بيتنا الجديد تلك؟ أم فرضت علي ظروف العمل هذا؟- ومع النوم المنتظم لم أعد أرى كوابيسًا، بل أنني لا أذكر أنني رأيت حلمًا واحدًا حتى، والمرّات القليلة –ربّما ثلاث مرات- التي رأيت فيها أحلامًا كانت في نهاية الأسبوع، أثناء نوم الضحى الذي لم أعتد عليه. كانت أحلامًا ظريفة. كنت قد قرأت مرةً بأن النوم المنتظم يقصي الكوابيس تمامًا، وهذا ما يحدث الآن، إنما يبدو أن نومي منتظم أكثر من اللازم إذ أقصى الأحلام برمتها.


(7)


يوم غد، 4/8، يصير عمري خمس وعشرين سنة، وفقًا للتقويم الهجري. ربع قرن أيتها الحياة!
-يبدو أن لساني اندلق، حُل أمر العقدة زيادة عن اللزوم، أتوقّف هنا إذ أصل 1354 كلمة.-

هناك 4 تعليقات:

  1. هناك مثل ليبى يقول "عتب ونواصي وبعض من الذرية" ويعني عتب= جمع عتبة بيت جديد ، ونواسى أى جمع امرأة ، والذرية أى الأولاد أى أن الحظ الجيد يأتي من انتقال الى بيت جديد أو الزواج بإمراة أو ولادة طفل ، وربما عزيزتي ريوف عتبة البيت الجديد حملت لكِ الحظ الطيب ...استمتعت كثيرا ً بالتدوينة اللذيذة وحفزتني لأنفذ ماكنت افكر فيه منذ فترة فى أن اعود لتدوين المتنوع كما كنت افعل قبل سنوات ..محبتي لكِ ..بإنتظار تدوينة جديدة :))

    ردحذف
    الردود
    1. جميل هذا المثل، لا يحضرني مثل شبيه من ثقافتنا -إن وُجِد-. سعدت بقراءتكِ.
      أرجو أنكِ قد عدتِ، فرصة سعيدة بالتعرف على مدوّنتكِ. ( :
      تحيتي وتقديري.

      حذف
  2. ريوف خالد لا انكر اني اندهشت مما قرأت .. هل انتِ زميلتنا الجديده الهادئه الصغيره قليلة الكلام .. وتفاجئت بأن هذه الصغيره عباره عن كاتبه تحمل في داخلها كتابات وحكايات ممتعه .. و فعلاً اثبتي ان لا نحكم ع الاشخاص من مظهرهم .. وسعدت وتشرفت بمعرفتي بك .. دمتي رائعه ومتألقه 💜

    ردحذف
    الردود
    1. أهلًا أهلًا عزيزتي! 💓
      سعدت كثيرًا بمعرفتكِ، حقًا، ممتنّة للأيام الحلوة، سررت بتعليقكِ اللطيف. 🌸
      تقديري ومحبّتي لكِ.

      حذف