الثلاثاء، 29 يوليو 2014

إدوارد مانيه وشارل بودلير؛ تيمة واحدة في عملين.




(0)
عيد مُبارك، ينعاد على الجميع بأحلامٍ مُحقّقة، بالرضى والسلام.
يستلزم أن أنوّه على أنني أسعى بشكلٍ جدّي إلى كتابة تدوينات قصيرة، أقصر مما أكتبه بالعادة، حذفت كثيرًا من هذه التدوينة لتظل قصيرة ولا تستغرق وقتًا طويلًا في قراءتها. أدوّن اليوم عن لوحة لمانيه وفي المقابل قصيدة لبودلير، تناولتا ذات التيمة، وليس الأمر صدفةً، إنما يستلهم أحدهما من الآخر، ولغرض تجنب التدوينات الطويلة، لم أتطرّق إلى علاقتهما.

(1)
Le Buveur d'absinthe - شارب العطرشاء
1859.

في شتاء 1859م. رسم إدوارد مانيه "شارب العطرشاء - Le Buveur d'absinthe" التي ظهر فيها السكّير جامع الخرق "كولوراده"، الذي كان يتسكّع حول اللوفر أنذاك. في تعليق يُنسب أحيانًا إلى أساذه كوتشو على العمل: "سكّير العطرشاء؟ كيف لأحدٍ أن يرسم شيئًا مثيرًا للقرف كهذا؟ صديقي التعيس، إنه أنت السكّير، إنه أنت من فقد قيمه الأخلاقية."
الموسيقيّ العجوز – Le Vieux Musicien 
تعتبر هذه اللوحة أولى أعماله الهامة الأصيلة المثيرة للجدل، لقد اختار مانيه أن يكون موضوع لوحته الأولى "شارب العطرشاء" التي يتقدم بها إلى صالون باريس شخصية منبوذة مهمّشة، الشخصية ذاتها ظهرت لاحقًا في لوحته "الموسيقيّ العجوز – "Le Vieux Musicien. لوحة "شارب العطرشاء" رفضها القائمون على الصالون حينها ليس بسبب الموضوع فحسب، حيث كانت العطرشاء تُعتبر مشروبًا إدمانيًا وانحطاطًا أخلاقيًا، إنما لقصور فنيّ في اللوحة. هذا ينافي القول بأن لوحته التي رُفضت حينها كانت "غداء على العشب". عُرضت "شارب العطرشاء" لاحقًا في صالون الأعمال المرفوضة عام 1863م. مع لوحات أخرى له ولوحات من رُفضت أعمالهم ولم تُعرض في صالون باريس. تأثر في هذه اللوحة بقصيدة بودلير "خمر لقاطي الخرق."  في ديوانه: "أزهار الشر.". وكما يبدو أن هذا هو الظهور الأول للعطرشاء في الفن التشكيلي. 

فيما يلي مقاطع من القصيدة، بترجمة رفعت سلام، الصادرة عام 2009م. عن دار الشروق في كتاب "شارل بودلير، الأعمال الشعريّة الكاملة":

يرى المرء جامع خرقٍ يأتي، هازًّا رأسه،
متعثّرًا، مرتطمًا بالجدران مثل شاعر،
ودون اكتراث بالمخبرين، موضوعاته،
يصب قلبه كله في مشروعات مجيدة.
(...)
وتحت السماء مثل قبة معلّقة،
يسكر بروعة فضائله الشخصية.
(...)
لإغراق المرارة وهدهدة البلادة،
لدى كل هؤلاء الملعونين العجائز الذين يموتون في صمت،
خلق الله، ...، النّوم،
وأضاف الإنسانُ الخمرَ، الابن المقدّس للشمس.


(2)

Lola de Valence
1862


لولا الڤالنسية أو لولا ميليا، اسم الشهرة للراقصة الأسبانيّة والباليرينا دولورس ميليا، عضوة في فرقة أسبانية تأتي من أسبانيا وتقدم عروضًا في باريس، كانت عروضًا ناجحة. رسم مانيه اللوحة ضمن مجموعة لوحات تعكس ذائقة الجمهور آنذاك الشغوفة بكل ما هو إسباني. تُصوّر اللوحة لحظات الباليرينا لولا قبل الظهور على المسرح، ويبدو الجمهور المنتظر في الجانب الأيمن من اللوحة خلف باب موارب. بالرغم من أن مانيه رسم اللوحة في محترفه الخاص، لا في المسرح، إلا أنه أعطى هذا الانطباع وأتقنه، إن الجماهير تترقب ولولا في الطريق إليهم. يظهر تأثره باللوحات الباروكيّة فيما يتعلق بالظل والنور، وبغويا، الذي طالع أعماله في وقت مبكر، في رسم البورتريهات النسائية لنساء يظهرن بكاملهن، من الرأس حتى القدم.
بناءً على رؤيته اللوحة، كتب بودلير القصيدة التالية "لولا دي ڤالونس" من أربعة أسطر وطلب من مانيه أن ينقشها في طرف اللوحة، أو على إطارها الخشبي. أنقلها بترجمة رفعت سلام، من ذات المصدر الذي نقلت منه أعلاه:

بين الكثير من الجميلات اللائي يمكن رؤيتهن في كل مكان،
أُدرك جيّدًا، يا أصدقاء، أن الرغبة تتعادل؛
لكن المرء يرى في لولا دي ڤالونس وميض السحر المفاجئ
لجوهرة ورديّة وسوداء.


غلاف ألبوم ستروك من رسم مانيه.
لم تكن هذا المرة الوحيدة التي رسم فيها مانيه لولا ميليا، إذ لاحقًا كتب زكريا ستروك صديقه كلمات وألحان أغنية عنها، رسم مانيه للألبوم بورتريه لها بتقنية الطباعة الحجرية. وغيرها مرات أُخر.

(3)
لم يقتصر التأثر المنتقل من أحدهما للآخر على ما ذكرته أعلاه، غيرهما مثلًا لوحة مانيه الشهيرة: أوليمبيا، والتي استلهمها من قصيدة "الجواهر" لبودلير، وأعتقد بوجود أخريات لم أمر عليها حتى الآن. كما أن الأمر لا يقتصر على عمل فقط، مثلًا، قصيدة "الحبل" لبودلير كتبها عن حادثة حصلت في محترف مانيه، ألكساندر الموديل الذي شنق نفسه.  

(4)
المراجع ولقراءة المزيد:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق