الثلاثاء، 24 يوليو 2012

مع القرآن -2-


بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" .
نهي الله في هذه الآية عن قول "راعنا" لأن كلمة "رع" في اليهوديّة شتيمة وتعني سيئ، وكلمة "راعنا" أي "سيئنا أو أسوأ شخص فينا" وكان اليهود يصفون به النبي عليه الصلاة والسلام –كرم صلى الله عليه وسلم عن هذا الوصف- فجاء النهي للمسلمين عن قول هذا الكلمة -والتي تأتي في العربية من المراعاة والتلطف- إذا أنها كانت تجري مجرى سب وشتم عند اليهود وصاروا يستترون بمعناها العربي. وقد ورد في لسان العرب عن هذا الوجه مايلي - وله أوجه أخرى في لسان العرب ومصادر أخرى لم تُقنعني إذ جعلت بعضها الكلمة "راعنًا" بالتنوين مشتقة من الرعونة وغير ذلك- :
إن راعنا كلمة كانت تُجْرَى مُجْرَى الهُزءِ، فنهي المسلمون أَن يلفظوا بها بحضرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وذلك أَن اليهود لعنهم الله كانوا اغتنموها فكانوا يسبون بها النبي، صلى الله عليه وسلم، في نفوسهم ويتسترون من ذلك بظاهر المُراعاة منها، فأُمروا أَن يخاطبوه بالتعزيز والتوقير، وقيل لهم: لا تقولوا راعنا، كما يقول بعضكم لبعض، وقولوا انظرنا.


في رمضان الماضي كنت أقرأ رواية ظل الأفعى ليوسف زيدان، وجاء في أحد فقرات الرواية –رسالة من الأم لابنتها- استنكارًا لتسمية الأب بالولد، إذ جاء:
"- اسمعي كلام زوجكِ، هو والد الطفل الذي في بطنكِ.
- إنما أنا الوالدة. الرجل لا يلد، ولا يصح وصفه بالوالد."
عندما قرأتها استنكرت كما استنكرت الأم، ولم يُعجبني أن يُطلق على الأب بمفرده "الوالد" إنما لا مُشكلة أن يسمّى الأم والأب بالوالدين، واستحضرت "المولود له" للدلالة على الأب التي وردت في القرآن وفي نفس السياق ذُكرت الأم بالوالدة في قوله تعالى: " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ"
 شرعت في البحث عن استخدام المفردة، فتوجّهت إلى القرآن –كأهم مصدر من مصادر اللغة العربيّة-، وفي أحد المواقع التي تُتيح خاصية البحث في القرآن  كتبت "والد" لأجد أنها لم تُشر إلى الأب بمفرده. إذا جاء الجذر إما في الإشارة للأم والأب "الوالدين، الوالدان ...إلخ" أو مُشيرةً للأم فقط: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ" وَ "وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا". إنما وردت مفردة "والد" في موضعين وهي كما بدت لي عامّة لا تختصّ بالأب. " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ" وَ " لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ 1 وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ 2 وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ 3" وهذا الأمر ليس بجديد –مسألة كون الإشارة للأب في القرآن أتت بالمولود له- لكنّني تنبّهت له قريبًا.

الاثنين، 23 يوليو 2012

مع القرآن -1-


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مساء طيّب. كان يُفترض أن أضع هذه التدوينة أول فجر من رمضان، حيث أنني نويّتها آنذاك وكانت الأفكار والملاحظات حاضرةً بحماسةٍ وقتها، لكنه الكسل .. وآهٍ من الكسل الذي صار أنا.
حسنًا، ستكون التدوينة مفتاحة لتدوينات أُخر –بإذن الله- أتناول فيها بضع ملاحظات توصّلت إليها أثناء قراءتي للقرآن هذا الشهر –أتمنى أن يستقيم الأمر وأنتظم في التّدوين-، ويُجدر بي أن أذكر أمرًا مُخزيًا يتعلق بهذا وهو أنني لم أختم القرآن أبدًا، وهذا ليس موضع فخر بالتأكيد ولا هو حتى مجاهرةً كيلا يستشيط القارئ الكريم. 

"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"
"أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ"

الباء المُلوّنة في الآيتين السابقتين تسمى بباء البدل، هذه الباء التي طالما حيّرتني. باء البدل بحسب مجمع اللغة العربيّة في القاهرة –كما نقله عنهم الباحث المُترجم الأستاذ مُنذر أبو هواش- تدخل على المتروك والمأخوذ، أي لا يصح أن ننسبها فقط للمتروك كما يذهب البعض. بالنسبة لي أرى أنه من الأحسن أن يتم الاتفاق على جعلها تدخل على المتروك إذ أنها هذا غالب ما جاء به القرآن –وأقول غالب ليس لأنني وجدت ما يُخالف هذا، لكنني حتى الآن لم أقرأ كل الآيات لأتأكد من أنه لا وجود لدخول باء البدل على المأخوذ-. هنا بحث مفيد –بحسب ما أطّلعت عليه من مقتطفات- عن الباء صفاتها ومعانيها وهنا نواة لاستفادة أكبر مما هو مُختصر : حرف الباء في القرآن والعربيّة.


" أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ"

في لسان العرب ورد في سياق معنى صَيِّب:
 "الصَّوْبُ: نُزولُ الـمَطَر. صَابَ الـمَطَرُ صَوْباً، وانْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ وصَيِّبٌ وصَيُّوبٌ، وقوله تعالى: أَو كَصَيِّبٍ من السماءِ؛ قال أَبو إِسحق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه اللّه تعالى للمنافقين، كـأَنّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّبٍ؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِـيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم.
وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوبُ؛ وأَنشد: كأَنـَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةٌ، * صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ(1) (1 عجز هذا البيت غامض.) وقال الليث: الصَّوْبُ المطر. وصابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، وصابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها."

ومنه قوله عليه الصلاة والسلام "اللهم صيبًا نافعًا" ربّما لو انتبهت لهذا الدعاء من قبل لما التبس علي معنى "صَيِّب" في الآية الكريمة.

"قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ يُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ"

لطالما اشغلني معنى "حِطَّةٌ" ولم أُفكر في البحث عن معناها إلا هذه المرّة، أنقل ما يلي من لسان العرب:
"حكي أَنَّ بني إِسرائيل إِنما قيل لهم: وقولوا حِطَّة، ليَسْتَحِطُّوا بذلك أَوْزارَهم فتُحَطَّ عنهم. وسأَله الحِطِّيطى أَي الحِطَّة. قال أَبو إِسحق في قوله تعالى: وقولوا حِطَّة، قال: معناه قولوا مسأَلتُنا حِطَّة أَي حطُّ ذنوبنا عنا، وكذلك القراءة، وارتفعت على معنى مَسْأَلتُنا حِطَّة أَو أَمْرُنا حِطَّةٌ، قال: ولو قرئت حِطَّةً كان وجهاً في العربية كأَنه قيل لهم: قولوا احْطُطْ عنّا ذنوبَنا حِطّةً، فحرَّفوا هذا القول وقالوا لفظة غير هذه اللفظة التي أُمِروا بها ... قال ابن الأَعرابي: قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة شمقايا أَي حنطة جيدة، قال: وقوله عزّ وجلّ حطة أَي كلمة تَحُطُّ عنكم خطاياكم وهي: لا إِله إلا اللّه. ويقال: هي كلمة أُمر بها بنو إِسرائيل لو قالوها لحُطَّت أَوزارهم.وحَطَّه أَي حَدَرَه. وفي الحديث: من ابتلاه اللّه ببَلاء في جَسَده فهو له حِطَّةٌ أَي تُحَطُّ عنه خطاياه وذنوبُه، وهي فِعْلةٌ من حَطَّ الشيءَ يَحُطُّه إِذا أَنزله وأَلقاه."


الجدير بالذكر أن أحد أبواب الأقصى الشريف يُدعى "باب حطة" ويُقال أنه الباب المعني في هذه الآية، كما يُقال أنه لا دليل على كونه هو الباب المقصود. لا يُعرف من بناه لكن غالب القول أن موجود قبل دخول بني إسرائيل القدس للآية السابقة.


http://www.foraqsa.com/library/images/aqsa/landmarks/gates/hitta_outside2.jpg
باب حطّة من الخارج

المسجد الأقصى المبارك- باب حطة
باب حطة